يتردد كثيراً تساؤل عن سبب غياب وجود «المرأة المحتسبة» تحت مظلة رسمية تؤهلها للعمل، وبقاء الأمر محصوراً في القول لا التطبيق، وربما تكون هناك حاجة للمرأة المحتسبة، في ظل تسارع وتيرة الأحداث، وكثرة المداهمات والبلاغات، إذ لا يمكن أن يدخل الرجل المحتسب في مهمة بلاغية كمهمة «بوليس الآداب» من دون أن توجد امرأة، إذ باستطاعتها أن تستر النساء المكشوفات أو شبه العاريات إذا كانت المداهمة من ذلك النوع، وربما كان ذلك أفضل من أن تكشف امرأة على الرجل المحتسب. تقول الداعية سناء الشاذلي: «أساس تعامل الهيئة مع المرأة، التسامح وأخذ التعهدات من دون تضخيم القصص، لذلك من باب أولى جعل المرأة المحتسبة تقوم بذلك، فالمرأة أفهم للمرأة، لذا أرى ضرورة وجودها في المهام التي يقوم بها رجال الهيئة في السوق، لأنه لا يمكن له في حال ورود بلاغ أن يفتش حقيبتها، وفيها ما فيها من خصوصيات، كما أن عمل الهيئة قد يستوجب مداهمة حمامات النساء، لذا فالأفضل أن تكون معه امرأة محتسبة قادرة على ذلك، إذ الهدف هو التناصح والأمر بالمعروف والتستر». وتؤكد الشاذلي «أن وجود المرأة المحتسبة مهم جداً، لأن الرجل المحتسب أيضاً لا يستطيع أن يدخل المدارس، وكلنا يعلم الأحداث التي تمر بها المدارس، وآخرها محاولة بعض الفتيات ضرب المديرة، وتهديدها بتصويرها، وقصة الفتيات اللاتي قمن بتصوير بعض المعلمات، وكادت تحدث كارثة لولا ستر الله. فهل بعد هذا نرفض وجود المرأة المحتسبة؟ إذا كانت المشكلة في وجود المحرم، فللضرورة أحكام، أو يمكن لزوجة الرجل المحتسب إذا كانت مؤهلة أن تؤهل، عبر فتح معاهد خاصة بالمحتسبات من الهيئة، ومن ثم سيصبح الأمر أكثر أماناً». ولمن يقول بعدم توافر الكفاءات والمؤهلات ترد الشاذلي: «لماذا لا تقع هذه المسؤولية على عاتق الهيئات، لفتح مجال لدورات تدريبية متتابعة، مع اشتراط المؤهلات العلمية النافعة، وعقْد مجالس بينهن وبين المشايخ، كما تدربت الكوافيرة والخياطة والمصورة النسائية... إلخ، وحاجة المجتمع إلى المحتسبة أشد من حاجته إلى الكوافيرة والمصورة». وتتساءل الشاذلي «ألم تدرس السيدة نفيسة بنت الحسن على يد مشايخ الحرم النبوي، حتى سميت بنفيسة العلم، وكان الرجال يأخذون عنها العلم، مثل الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل؟ ألم تشارك أم سليم عائشة رضي الله عنهما في غزوة أحد في مداواة المرضى وسقي الجيش؟ فهل تجوز لها المشاركة في هذا، ولا تجوز لها المشاركة في الحسبة؟ ألم يستشر كبار الصحابة أم المؤمنين عائشة في أمور الدين؟». وترى مشاعل العيسى (كاتبة وباحثة)، «أهمية وجود نساء يساندن رجال الهيئة، ويخففن العبء عليهم، ومن يدري ربما يكن أفضل وأكثر وصولاً إلى قلب المرأة وقدرة على ترقيقه، وقرر بعض العلماء أنه لا مانع من أن تعمل في مجال الحسبة متى ما دعت الحاجة، وذلك الحكم تم بعد دراسة شرعية وواقعية». وتقول العيسى: «بعد مشاهدتي لتجاوزات الفتيات الطائشات مع رجال الهيئة وتلفظهن عليهم بألفاظ لا تليق بهم وتمس كرامتهم، أقول إنني أرحب بوجود نساء بين صفوف النساء يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر. فهؤلاء الفتيات يتحججن بجواز كشف الوجه وقد كشفن الشعر ولبسن العدسات وركبن الرموش ووضعن كل أنواع المساحيق وسرحن شعورهن بطريقة مؤذية للعين ومؤذية للقلب. ولا تريد أن ينكر عليها أحد ما تفعله من إساءة إلى غيرها فهي تؤذي الشاب وتجعله يلاحقها ويقيم علاقة معها، وتؤذي نفسها أيضاً وسمعتها وأهلها. وهؤلاء لو نظرت إليهن فقط لصرخت في وجهك (خير) وبعضهن سليطات اللسان وسوقيات الألفاظ وعديمات الحياء فتضع إحداهن «فتوتهن» في الشيخ أو المحتسب وتقع فيه بطريقة تعرضه للحرج والضيق، ولقد كانت مثل هذه المواقف تغيظني كثيراً وحتى لو لم تحدث مصادمة فلقد كنت أسمع تعليقاتهن السامجة والساخرة من ثوبه ولحيته. ولعل أكثر ما يحتجون به على رجل الهيئة: ليش يناظر؟ المفروض إنه رجال يغض بصره وين غض البصر؟ وهذا من جهلهن فرجل الهيئة إن لم يشاهد المنكر، فكيف ينكره؟ وليس في مثل هذه الأمور يقال مثل هذه العبارات، لكن هذه العبارة هي من أكثر العبارات رواجاً وتأثيراً وتشويها لرجال الهيئة». وتستطرد العيسى: «كما أن هناك حالات خاصة تستدعي بعض الخصوصية كأن يضطر رجل الهيئة إلى الاستفسار وتوجيه بعض الأسئلة الخاصة أو تفتيش حقيبة امرأة معينة أو تقليب ما في جوالها، وهو ما يجعل عينه تقع على ما لا ينبغي عليه». وتستدل ببعض الآثار عن السلف في تولية بعض النساء لبعض المهام: «سمراء بنت نهيك أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولى امرأة من قومه - يقال لها الشفاء - أمر السوق». وتضيف: «الأثران واضحا الدلالة على جواز تولي المرأة الحسبة، فالأول ينص صراحةً على أن سمراء بنت نهيك قد تولت الحسبة، والثاني ففيه تولية من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب للشفاء ولاية من الولايات، وهي أمر السوق، وحيث إننا مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، ولا ينبغي أن ننكر تولي المرأة ولاية الحسبة». وترى العيسى أنه من الضروري أن توجد فئة من النساء المحتسبات للطوارئ تتم الاستعانة بهن في الحالات الخاصة. وتؤكد ضرورة «تهيئتهن التهيئة السليمة مسبقاً وتكثيف الدورات التدريبية في فنون الحوار والتعامل مع صنوف الشخصيات وتمرينهن واختيار الكفاءات ذوات الشخصية المؤثرة والصوت الحنون والقلب الناصح المشفق وأن يكون دورها مساندة ومعاونة بنات جنسها لا تصيد الأخطاء والتشفي بهن».