شهدنا في أواخر القرن الماضي - بعد فاجعة ثقوب الأوزون - صحوة بيئية عالمية لمقاومة ملوثات الطبيعة والأجواء المُهدِدة للحياة البشرية، ونشهد في وطننا جهوداً تبذل لتعديل بوصلة الانحراف التي أصابت أو جمدت اهتماماتنا فترة من الزمن، قد تكون مبرراتها مقبولة لتوجيه الموارد لإنشاء البنى التحتية في مجالات عدة. تغنى الشعراء بآلام غياب الخلان، وتغنيت الأسبوع الماضي «بشوفة» وادي حنيفة بعد غيبة، وهو لا يزال عريساً يعيش فرحة شهر عسله الأول، بعد إعادة اكتشافه ضمن دائرة البحث عن كنوز الطبيعة. رأيت الوادي مزهواً بالاهتمام، بهياً بأشجاره وأزهاره ومياهه، أرصفته وإنارته، فخوراً بعرضه وطوله الذي ظل وفياً لأهل الرياض من شمالها لجنوبها على رغم تمددها ونمو حجمها وعدد سكانها، فرحاً بعودة الطيور المهاجرة إليه بعد بشائر وفرة الأرزاق وتنوع خيارات حركة الصباح والمساء. فكرت مع صاحبي العزيز في كل هذا، ونحن نسير على أقدامنا في بطن الوادي ننظر لكل شيء بلهفة المشتاق، يدفعنا فرح ومحبة لوطن نسعد برؤيته متفوقاً وجميلاً في كل شيء. لم نشعر بالتعب بل خشينا من تعب الوادي من دقة تفاصيل نظراتنا، الإعجاب يتحول إلى عشق عندما نرى الجمال يُخلق من أصل ونبع الطبيعة والمكان. ووصلت إلى مرارة الموقف وسوء المشهد، عندما رأيت زواراً يرجمون الوادي بمخلفات الأغذية وعلب المشروبات الصحية، وبقايا الآيسكريم، ومخالفة الإرشادات الموضوعة بأناقة حضارية في أرجاء الوادي. قلت لأخي الطبيب الجراح أرجو ألا تنزعج، لنعتبر الموقف جزءاً من أيام الاحتفالية التي عادةً ما يكون فيها التعبير عفوياً غير مُكبل بالبروتوكولات، وبعد أن رأيت كتابة عبارة جوفاء من مراهق أجوف شوهت لوحة إرشادية أنيقة لم يمض على نصبها أكثر من أسبوعين اعتبرت التصرف انفعالاً من فرح بالاحتفالية، وبعد أن اقتحم عدد من المركبات بطن الوادي مُخالفةً لآداب الزيارة قلت: الحل قريب مع نظام ساهر، وعندما... وعندما... إنها معركة التبرير مع النفس، لا أريد أن أستنشق في هذا المكان التاريخي الجميل أوكسجين إحباط، أو نرسخ مفهوم الأعداء، عندما قالوا إنكم في الخليج شعوب تأكل وتشرب من دون حدود، وتطلق العنان لتصرفاتها بمساحة مأكلها ومشربها! تاريخ الوادي الممتد عبر مئات السنين شهد تطور الأحداث وتعاقب الأجيال، كانوا يقولون يَحُد الرياض غرباً وادي حنيفة، قفزت الحدود وتغيرت خريطة المكان وظل الوادي يَرقُبنا ويُكْبِرُ فينا عدم مصادرة خريطته أو العبث بها، وبعد أن أصبحنا على ضفتيه الغربية والشرقية، هي لحظة تاريخية لسكان الرياض وما جاورها لكسب شهادة الوادي بتطور سلوكي حضاري، أو سيكون شاهداً عليهم بتخلف في عباءة تطور! وقبل النطق بحكم الوادي، الإسراع الإسراع يا هيئة تطوير مدينة الرياض لإيجاد وحدة إدارية يناط بها مهمة الإشراف والمراقبة، والقَدَر المكتوب علينا «التوعية»، للحفاظ على مكتسبات الشاطئ الصحراوي قبل أن تُغَيّر ملامحه أيادي جيل القرنين «20، 21». ولا تنسوا أن تُنصِبوا في الضفة الغربية للوادي أطول وأعرض لوحةٍ توعويةٍ في العالم، اكتبوا عليها رسالة الوادي الآتية: «يا أحفاد الآباء والأجداد، أَتَذَكّر بمحبة ووفاء، تصرفات آبائكم وأجدادكم عندما يأتون لزيارتي، كانوا يسمرون في بطن الوادي، وتنبت في اثرهم شجرة سدر أو فسيلة نخلة، ودعتهم باكياً على فراقهم، ومشاعري نحوهم لا تزال مدفونة في بطن الوادي، استقبلتكم بالورد والريحان، والوفاء من شيم الشجعان، وتحيتي للأمير سلمان، حافظوا عليّ لأنني أحبكم... مثلما أحببت آباءكم وأجدادكم». [email protected]