كشف وزير حقوق الإنسان اليمني عز الدين الأصبحي أن الإحصاءات الأولية لنتائج الحرب التي شنتها المليشيات الحوثية وأتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح تشير إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، إضافة إلى نحو 15 ألف جريح، إلى جانب اعتقال آلاف في ما وصفها ب«بيوت الأشباح» التي تديرها هذه المليشيات. وأكد الوزير الأصبحي في حوار مع «الحياة» أن مليشيات الحوثي وصالح عملت على إحداث «أكبر شرخ اجتماعي» في اليمن، وهو ما يهدد بحرب مستقبلية تقوم على تمزيق النسيج المجتمعي -بحسب تعبيره-. ووفقاً للأصبحي؛ فإن الحرب أدت أيضاً إلى نزوح أكثر من 2.5 مليون يمني من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل اليمن، فيما لجأ نحو 120 ألف شخص إلى الخارج. وأوضح وزير حقوق الإنسان أن صالح أحاط المدن الرئيسة في اليمن بسياج من المعسكرات، والتي بنيت لقمع أي تحركات مدنية للمواطنين، مبيناً أن المشاريع الضخمة في تعز قامت على مجهودات القطاع الخاص أو الدول الشقيقة فقط. وتطرق الوزير إلى كثير من تفاصيل الملفات المهمة. إلى نص الحوار: بدايةً، ضعنا في صورة الوضع الإنساني والحقوقي في اليمن اليوم؟ - إن أكثر الملفات المؤلمة وذات الأهمية البالغة تتعلق في الجانب الحقوقي والإنساني، فنتائج الحرب في اليمن خلفت كارثة من ناحيتين أساسيتين، الأولى: عدد الضحايا والانتهاكات الجسيمة التي قامت بها مليشيات التمرد خلال الفترة الماضية، وهي من الكلف العالية والتي ربما تكون قليلة في الحروب المختلفة، ولا أريد تشبيهها بحروب أخرى ذات بعد عنصري وطائفي وجهوي. ولكنها قريبة من هذه الحروب الدامية التي يكون ضحيتها الضعفاء من النساء والأطفال في شكل كبير. ويمكننا سرد نقاط كثيرة من الانتهاكات التي قامت بها المليشيات، ابتداءً من مصادرة مؤسسات الدولة المختلفة بانقلاب واضح، قبل الجرأة غير العادية التي تمثلت في احتجاز رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، ثم ملاحقة رئيس الجمهورية بالطيران، ذلك كله اختفى خلف ستار «جئنا من أجل الشعب». والمؤلم في الماسأة هو القدرة على خداع عدد هائل من الجماهير في هذ الأمر، لتنساق كثير من الشخصيات السياسية والمجاميع تحت ضغط فشل سياسي سابق. وهو ضغط احتياج حقيقي إلى مسألة التغيير في اليمن. وهو ما عمل على هذا الانسياق خلف هذا الوهم، لكن الحقيقة تجلت في نهاية الأمر. لدينا اعتقالات غير مسبوقة، واحتجاز واختطاف في أماكن مغيبة في «بيوت أشباح»، من دون تقديم أي معلومات عن المحتجزين والمعتقلين. وهو أمر لا يمكن القبول به مهما كانت الخلافات السياسية. ولدينا قتل خارج نطاق القضاء، وضرب ممنهج لكل المؤسسات. والنقطة الأخيرة مسألة الحصار الجماعي للمدن والناس والعقوبات الجماعية التي تصل إلى جريمة حرب إبادة، فعندما تحاصر مدينة، مثل تعز يقطنها أكثر من 400 ألف نسمة، ومنع الغذاء الدواء والأوكسجين عن المستشفيات، ثم تطبيق حصار ممنهج قبل أن تقوم بأكبر عملية تضليل إعلامي، من أجل عدم الاعتراف أو السماح بمسألة فتح الممرات الإنسانية، فإنك تقوم بجريمة ممنهجة وإبادة جماعية لم يسبق لها مثيل. وهناك انتهاك جسيم آخر، وهو أن مليشيات الحوثي وصالح عملت على إحداث أكبر شرخ اجتماعي في اليمن، وهو الملف الذي أسميه «الحرب المستقبلية» التي تقوم على تمزيق النسيج المجتمعي في اليمن، وهو ما ينبئ بحرب مقبلة، وما يجري الآن ليس سوى تمهيد الملعب للحروب المقبلة. وهذا أمر خطر جداً. لذلك المهمة اليوم ليست على الشرعية وقوات التحالف فقط. وإنما مهمة المجتمع اليمني الحي، بمثقفيه وأحزابه وشبابه وفئاته المختلفة، أن يدركوا أن الوقوف أمام الحوثي وصالح لا يأتي مبنياً فقط على كونهم فئة باغية، لكنه صون لمستقبل البلد. ومن ثم عندما نرفض التمزيق الطائفي والصراع المذهبي، وتعزيز الهويات الصغيرة، وتمزيق المجتمع تحت أي مسميات مختلفة أكون بذلك أحمي ذاتي والمجتمع وأبنائي الصغار، ليجدوا وطناً آمناً. لكن الحديث أن ما يجري هو خلاف سياسي، وأقف مع جهة سياسية ضد أخرى، فهذا كلام غير منطقي، وعندما طرحت قضية مثل تعز، وقبلها عدن، لم نكن نضعها على أن هناك مجموعة من البشر تعاني من انتهاكات جسيمة، ولا فئة سياسية باغية استخدمت القوة لقمع المواطنين. وما زلت أقول إن الوقوف مع هذا الملف يأتي في سياق الحفاظ على المستقبل واستقرار البلد ووحدة النسيج الاجتماعي اليمني. تمزيق النسيج الاجتماعي هل تعتقدون بأن النسيج الاجتماعي اليمني ما زال متماسكاً.. ألم يتمزق بفعل تصرفات المليشيات؟ - الشرخ حدث، وهو عميق، ويتجلى في بُعده الجغرافي، وهو ما يساعد على سرعة إيجاد حرب تنزلق فيها اليمن إلى بعدها المناطقي، فلدينا ما نسميه «المذهبية المجغرفة»، ويكاد يكون لديك جغرافيا كاملة تتمثل في كل الجنوب والوسط والغرب لديه هوية مذهبية معينة. ولديك شمال لديه هوية أخرى، قدمت لنا فرصة تاريخية في مدينتين أو ثلاث رئيسة، وبخاصة صنعاء، بأن تكون المدينة التي تمثل البوتقة الوطنية التي تلتقي فيها كل الأطياف المختلفة وتذوب فيها كل التمايزات. وكانت هناك فرصة هائلة لمدة ربع قرن تقدمها صنعاء، قبلها قدمت ذلك مدينة عدن، لكن ما حدث بلحظة طيش من المليشيات الحوثية وصالح حيث عملوا على تمزيق هذه التجربة، والإساءة إلى خطوة إيجابية بكل المقاييس، وانزلق اليمن إلى حرب لا يمكن إلا أن تسميها ذات مشاريع ضيقة صغيرة، فلا يمكن إقناعنا أن إرسال ما تبقى من الحرس الجمهوري والحرس الخاص ومليشيات الحوثي لمحاصرة عدن أشهراً، ثم محاصرة تعز سبعة أشهر وحتى الآن، ثم تقول إن لديك مشروعاً وطنياً جامعاً. والمؤلم أنك تقول إن حصار عدن وتعز بشعار: «الموت لأميركا وإسرائيل»، أو في خلافك مع دول التحالف والسعودية، فلا الجغرافيا على حدود المملكة، وهذه المناطق معروفة بأنها الأكثر تحرراً ووطنية وحدوية، ثم تقتلهم باسم الوحدة والديموقراطية والتقدم ومحاربة أميركا. أعتقد بأن ما حدث خلال الأشهر الماضية شرخ عميق جداً لا أقول صعب تداركه، ولكن يزداد يومياً ما لم ننتبه نحن اليمنيين بأن نقول: كفى عبثاً. استهداف تعز بالحصار ذكرت أن الحصار الحالي لمدينة تعز هو آخر نسخ القبح وآخر نفَس للحقد الطائفي والمناطقي.. برأيك لماذا كل هذا الحقد الدفين ضد هذه المدينة بالتحديد؟ - هذه واحدة من صور التجلي التي أقصدها في الوهم الذي تملك عقلية الحوثي وعلي صالح، الوهم القائم على قراءة التاريخ الخاطئة ومحاولة إعادته، هناك مجموعة من الأشخاص ما زالت تشكل لديهم تعز حالة بأنها النقيض الذي يقضي عليه ككيان سياسي. لا أتحدث عن بُعد أن تعز هي عاصمة السنة والشافعية لا، لكنني أتحدث عن تعز بوصفها معطى حضارياً ومدنياً، فهي عاصمة لكل تيار ورؤية حديثة لبناء الدولة والمؤسسات. وخلال 30 سنة استطاع علي صالح أن يعمل كل أساليب التهميش المختلفة لتعز من تغييرها كعاصمة سياسية تم مع نهاية الستينات، ثم إلغاء المؤسسات الاستراتيجية التابعة للدولة من تعز، ثم إلغاء أي مشاريع استراتيجية تهم هذه المحافظة، وهي الأكثر سكاناً وتنوعاً. ومع ذلك لا يوجد أي مشاريع استراتيجية داخل تعز للجمهورية اليمنية، وقد تصطدم أن المشاريع الضخمة لتعز من جامعة ومطار وبنية أساسية بُنيت إما من القطاع الخاص أو بالتعاون مع الدول الشقيقة. وهذا أمر مؤلم. الأمر الآخر عندما بدأت إرهاصات التغيير في 2011، كانت تعز في مقدم المشهد الذي طالب بالتغيير، ومن ثم رد الفعل كان عنيفاً. دعني أذكِّر بحادثة حدثت عام 1992، بعد الوحدة مباشرة، كانت في كانون الأول (ديسمبر)، إذ خرجت تعز وبعض المدن بمظاهرات صاخبة ضد النظام آنذاك، بسبب الفشل الاقتصادي ووجود بوادر أزمة سياسية بعد الوحدة مباشرة؛ لأن «الترويكا» الحاكمة بعد الوحدة لم تكن ناجحة كما يحلم الناس، وأكبر مظاهرات خرجت كانت في تعز. وتم اعتقال الشباب، يومها قرر ألا يتم إصلاح أي شيء في تعز، أو إضافة لبنة واحدة لتنمية المدينة. وبدأ العقاب الشديد، وكان لا بد من عسكرة المدن لعمل سياج أمني تستطيع قمع أي تمرد إذا ما حدث. وإذا ما عدنا الآن إلى الخريطة السياسية المحيطة في المدن الرئيسة، بما فيها صنعاءوعدن وتعز والحديدة، ستجد أن المعسكرات بنيت بطريقة تسييج متكامل على هذه المدن؛ لضمان عدم تحركها، لماذا في تعز العدد أكبر؛ لأن هناك استشعاراً بالخطر الأكبر، وهو ما يحدث الآن، فما الخطة الاستراتيجية لجعل الحرس الجمهوري، والخاص، والدفاع الجوي وكتائب القناصة موجودين في مدينة سكانية جغرافياً ليست على حدود دولة أجنبية، وليست مدينة نفطية، ولا توجد بها قواعد عسكرية ضخمة لحمايتها، بل مدينة فيها أكبر عدد من الطلاب في الجامعات، وأكبر عدد من المصانع. ومن ثم تستغرب وجود هذه الثكنات، فالخطر الذي تشكله تعز أنها ستظل تطالب بدولة المؤسسات المدنية الحديثة، والوحدة الوطنية، وقدرها أن تكون مدينة وحدوية بين الشمال والجنوب، وأنها معطى مع المستقبل، لكن مشروع صالح والحوثي يريد دولة سلالية عنصرية مذهبية. ومن ثم لا بد من الاصطدام مع هذ المشروع، فهو لا يريد الوحدة الوطنية كما يزعم، بل يريد تملك الجنوب والوسط. ولا يريد عدالة بل الحصول على الثروة، هو لا يريد ديموقراطية، لا يريد التحدث عن المستقبل والدولة المدنية. لكن الوضع الإنساني في تعز حالياً تغير بعد دخول بعض المساعدات وزيارة الأممالمتحدة للمدينة المنكوبة؟ - على الصعيد الإنساني؛ للمرة الأولى يزور وفد الأممالمتحدة تعز، ونتفهم تماماً البيان الصادر عن بعثة الأممالمتحدة. لكنها لم تكن باللغة التي كان يتمناها الشارع السياسي. لسبب بسيط؛ أن الأممالمتحدة تستخدم لغة ديبلوماسية يغلب عليها الغموض، ففي لحظات لديها ما تسميه «بوادر أمل لحلول سياسية»، وتتجنب إظهار كامل الحقيقة الصادمة، لكن التصريحات الجانبية لأعضاء الوفد تؤكد أن تعز تعاني من كارثة، والسلطات المحلية والأحزاب اعتبرت بيان الأممالمتحدة خيبة أمل للجميع، لكن علينا إدراك أن قولهم أتينا لزيارة تعز بعد مفاوضات شاقة، وسمح لنا بزيارة محدودة بعد ثمانية أشهر من المحاولات، دليل على أن الحصار ثمانية أشهر، أعتقد أنه فتح نافذة لبداية حقيقة للمساعدات، والحل في تعز ليس في تقديم الإغاثة، ولكن في حسم الموضوع العسكري، وفتح الممرات الإنسانية أمام البشر والتجارة؛ لأنه لا يمكن عمل إغاثة لأربعة ملايين نسمة، وليس فقط لسكان المدينة، الناس تحتاج إلى إعادة الحياة الطبيعية والتجارة، وهو ما يجري الآن خطوات خجولة ومحدودة وغير منطقية. الأقاليم المهمشة ماذا عن الحسم العسكري؟ وما المعلومات المتوافرة لديكم بشأنه؟ - يجب أن ندرك أن تعز كقضية أصبحت تحتل الصدارة، وأنها قضية عادلة علينا الإيمان بها، ومن ثم فإن أي حل سياسي سيكون أمام اليمنيين في الأيام المقبلة لا يمكن له أن يتجاهل أن هناك قضية اسمها تعز. ففي يوم من الأيام كانت لدينا القضية الجنوبية، وتم تجاهلها لسنوات طويلة، ثم صارت واقعاً حقيقياً. وكانت لدينا مشكلة تمثيل الشباب وعملية شكل الدولة ومؤسساتها، ثم تم الاعتراف بها متأخراً. الأمر نفسه يحدث اليوم مع تعز والمناطق الوسطى، بما فيها أقاليم الجند وسبأ وتهامة، فهي مهمشة في العملية السياسية بشكل واضح، وتعز هي رمزية لهذه الأقاليم الثلاثة، والأكثر كثافة سكانية وأهمية جغرافية، ولا يمكن للعملية السياسية تجاهل هذا الوسط المهم جداً. ماذا تحتاج إليه هذه المناطق، تمثيلاً أكثر في العملية السياسية؟ - تحتاج إلى إعادة ما يسمى ترتيب العملية السياسية أو الدولة العادلة، لا يمكن أن نتحدث عن مستقبل من دون عدل، وكل مشكلات اليمن خلال الفترة الماضية أنها بُنيت على الظلم، والنقطة الأخرى أن اليمن لا يمكن أن يقف على قدميه، ولا أن يكون مستقراً إلا على قاعدة القبول بالآخر، وأنه بلد متنوع، فإلغاء الآخر وإقصاؤه أمر غير وارد وغير صحيح. وجربنا كل أنواع الحكم في الجنوب أو الوحدة، وكانت أنظمة فاشلة. وعلينا الآن وضع رؤية جديدة. وأعتقد بأن اليمن الاتحادي القائم على القبول بالآخر، وأن هذا البلد متنوع سيكون فرصة جديدة لإعطاء الأمل لحل سياسي، ومن هنا تبرز أهمية قضية تعز والأقاليم التي ذكرت، ليس فقط مدينة تريد الحصول على مواد غذائية، ولكن مدينة حاصلة على دورها الحقيقي في صنع الخريطة المقبلة. إحصاءات القتلى والمصابين ما آخر الأرقام لديكم بشأن ضحايا الحرب وأعداد القتلى والمصابين؟ - لا يمكن الحصول على إحصاءات دقيقة عن عدد القتلى والجرحى والمعتقلين، فما زلنا في وضع متحرك، وكل يوم هناك عدد مختلف. ولكن نقول إننا ندفع أكبر كمية من الخسائر البشرية والمادية، ولدينا حال من حالات الانفلات الحقيقي في توجيه القتل. ويحزنني أن بعضهم يستطيع إحصاء القتلى عندما يكون عبر طيران التحالف، لسبب بسيط أن هذه عمليات مُعلنة وواضحة الأهداف والضحايا. ومن ثم ببساطة شديدة؛ يمكنك أن تقول هناك 20 غارة، وسيكون الخطأ محدوداً. لكن عندما أتحدث عن حرب على مستوى المدن والقصف بالكاتيوشا والمدفعية والقنص فأي رقم قابل للشك، وتساءل بعضهم خلال جلسة رسمية: لماذا يشتكي الناس من القناصة أكثر من الطيران، فرد أحد القادمين من الجبهة أن قصف الطيران معروف، ويستمر دقائق، ثم تعود الحياة إلى طبيعتها، بينما خمسة قناصين على مدخل أحد القرى قتلوا عشرات الأشخاص بشكل مستمر، وعطلوا الحركة طوال الأيام الموجودين فيها. أما في ما يخص المعتقلين فتم الإفراج عن خمسة أشخاص، وفي اليوم الثاني اعتُقل 50 آخرون في قرية القابل. قيل إن هناك أكثر من 10 آلاف من القتلى، ولدينا كشوفات ب1470 معتقلاً من الشخصيات المعروفة. أما الآخرون فهم أضعاف هذا الرقم. والأمر نفسه حول الجرحى، فهناك 15 ألفاً ممن تقدم لهم مساعدات، وهم معروفون. لكن ثمة رقم مماثل قد نكون غير قادرين على الوصول إليهم، والكلفة ستتكشف خلال الأيام المقبلة بشكل مفزع. ماذا عن أعداد المهجرين واللاجئين، داخل اليمن وخارجه؟ - هناك نحو 2.5 مليون يعانون النزوح واللجوء على الأقل، واللاجئون إلى الخارج رسمياً لا يزيد عددهم على 120 ألف نسمة. أما النزوح الداخلي فكارثي؛ لأنه تركز في مدن شحيحة المصادر الغذائية والمائية، مثل إب، وريف تعز، وحضرموت، وغيرها. والناس ذهبوا بعشرات الآلاف، وبعضهم يتحدث عن 1.5 مليون نازح بشكل رسمي ومعلن. ونعتقد بأن هذ الرقم هو ثلث الرقم الحقيقي. ماذا عن قوائم منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي الجرائم التي تقوم اللجنة الوطنية الخاصة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن بإعدادها؟ - في ما يخص رصد القوائم وأسماء المسؤولين عن الانتهاكات بحسب القرار الدولي فهم معروفون ومعاقبون، لكن الخطوة الأساسية هي إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة الخاصة بالتحقيق في الانتهاكات، وهي تعمل منذ شهرين. وأعتقد بأنها أنجزت أعمالها الإدارية واللوجيستية، ولديها الآن مراجعة لملفات منذ عام 2011، وليس من الآن، لكن ستبدأ التحقيق في محطات الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في 2015، وستحدد أبرز الانتهاكات التي جرت على مستوى اليمن بشكل كامل، وهم مجموعة من القضاة القانونيين المستقلين، نقدم لهم فقط الدعم الفني مع الأممالمتحدة، ويعملون من مدينة عدن. وأعتقد بأنه بداية من آذار (مارس) المقبل سيقدمون أول تقرير حول متابعتهم لأبرز الانتهاكات الجسيمة في اليمن. فاتورة إعادة الإعمار كيف ترون الدور الإغاثي السعودي في اليمن؟ - يتحمل مركز الملك سلمان العبء الأكبر في تقديم العون والإغاثة في اليمن، وفي صدارة مشهد العون الإغاثي السعودية والإمارات وبقية الأشقاء في دول التحالف. وأعتقد بأن الملف الأكبر هو إعادة الإعمار، والأشقاء في التحالف ينظرون إلى التدخل في اليمن ليس فقط تدخلاً عسكرياً، ولكنَّ تدخلاً يسعى لإعادة الاستقرار لليمن والمنطقة. ومن ثم تقديم الإغاثة والإعمار هي رؤية استراتيجية لديهم. هل هناك تقديرات لكلفة إعادة بناء ما دمرته الحرب؟ - هناك لجنة إستراتيجية تابعة لوزارة التخطيط تعمل على هذا الأمر، ولديهم فريق عمل فني ممتاز، ورؤيتهم متقدمة ومتطورة. والأعمار لا يعني فقط المساكن والمباني. ولكن إعادة بناء المجتمع والإنسان، ومن ثم الكلفة عالية والجهد مضن لعمل ذلك. ودول الخليج تعي هذا الأمر، وتتعامل مع التدخل في اليمن -كما قلت- تدخلاً شاملاً، وليس عسكرياً فقط. ونلمس ذلك الآن، وأنه قائم على إعادة بناء المجتمع. بعضهم يرى أن قرار عودة الحكومة اليمنية جاء متأخراً.. ما رأيك؟ - ربما طموحنا العودة مبكراً، لكن كانت هناك تحديات كثيرة -للأسف الشديد-. أصعب ما في الحرب هو مواجهة الخلايا النائمة، وحروب العصابات، أما الجيوش النظامية فتكون واضحة. ما حدث في عدن والمناطق المحررة أن الطرف الآخر استغل حاجة الناس وحال الإحباط والانفلات من أجل إيجاد أكبر عدد من المشكلات. كما أن لدينا مجموعة من الخارجين عن القانون والذين يسهل عليهم التخريب وإحداث القلق. ولننظر إلى أوروبا إذا حدثت مشكلة واحدة تعيش حال من الاستنفار الأمني، فما بالك بمدينة مثل عدن، فلديك عشرات الأشخاص يمولون نشر الفوضى، وإعادة الاستقرار والبناء يحتاج إلى جهد وأموال ووقت، ومن ثم ملامح الاستقرار ستأخذ وقتها، وعودة الحكومة بالكامل والعمل من الداخل واحدة من العوامل الأساسية التي ستعمل على إعادة هذا الاستقرار. وبذلنا كل ما نستطيع في اللحظات الصعبة، وعادت الحكومة وتعرضت إلى الاغتيال والتصفية وتجاوزت هذه المحن. وكنا طوال الوقت على علاقة مع الإدارات في كل المحافظات، وأعتقد الآن أن الشد والبناء المؤسسي مطلوب، وهذا ما نعمل عليه. هل هي عودة نهائية؟ - الترتيبات الآن لمعظم الوزارات وبخاصة الخدمية. أما العسكرية فعملياً موجودة، ولكن الوجود السيادي لها الآن، ووكلاء الوزارات يعملون من قبلُ. المفاوضات السياسية للإنصاف .. وليس لتقاسم السلطة رأى وزير حقوق الإنسان اليمني عز الدين الأصبحي، أن المتمردين يعيشون «لحظة وهم». وقال: «هم يسألون أنفسهم الآن: هل نستطيع أن نُحدث اختراقاً للقرارات الدولية، أو انتصارات ما في الجانب السياسي؟». وأضاف: «يعملون على تأجيل أي لقاءات مقبلة تحت هذا الوهم، ومن وجهة نظري هذا زيادة في الكلفة فقط؛ لأنه في الأخير لن يصح إلا الصحيح، وليس هناك من خيار إلا تطبيق الشرعية الدولية والعودة إلى الطاولة السياسية التي تقوم على تحقيق العدالة». وأكد الوزير الأصبحي أن المفاوضات السياسية ستكون «للإنصاف، ولن تكون من أجل تقاسم جديد والتضحية بمسألة الحق والعدل، فهذا غير منطقي»، واضاف: «نعود من أجل زرع وتحقيق الاستقرار في اليمن، ويتمثل في الاعتراف بالحق، ونستند إلى القرارات الدولية، وفي مقدمها القرار 2216، والمبادرة الخليجية، ولدينا مخرجات الحوار الوطني، وأي حوار مقبل بين اليمنيين لن يكون بأعلى سقف من الحوار الوطني، وليس هنالك إمكان لخلق وثيقة جديدة». وأوضح الأصبحي أنهم يناقشون كيفية تطبيق هذه المخرجات والقرار الدولي، لافتاً إلى أنه لو كان هناك عقلانية لدى المليشيات الحوثية وأتباع صالح «لتركت الحكومة تنجز ما أوكل إليها من مهام؛ لأنها حكومة كفاءات وطنية موقتة، جاءت لنقل البلد من الشرعية الموقتة إلى الدائمة». وعد الوزير إعادة البناء «أصعب تحدٍّ»، وقال: «إذا عادت السلطة كاملة بحسب الشرعية على الأقل؛ ستعود المؤسسات القادرة على البناء، التشريعية والقضائية والتنفيذية. ومن ثم أمامنا بناء المؤسسات المختلفة الخدمية وغيرها. أما على صعيد البنى فضُربت بشكل كامل». وأضاف عز الدين الأصبحي: «الجميع يدرك حجم المأساة وإعادة البناء، وليس أمامنا خيار إلا البداية من جديد، وسيكون أمام اليمنيين فرصة تاريخية لإعادة بناء وطنهم الذي يحلمون به، بعيداً عن الهيمنة الضيقة وانتهاء مراكز القوى الذي يجب أن تنتهي». وحول رؤيته إلى مستقبل اليمن في السنوات المقبلة ما بعد انتهاء الأزمة الحالية، فقال: «إذا توقفت الحرب بسرعة، وعادت مؤسسات الدولة لبناء اليمن الجديد بحسب المخرجات؛ فنستطيع أن نرى ملامح إيجابية واضحة»، مبدياً خشية أن يستمر الأمر «وندخل في نفق الحرب المنسية، ففي هذه الحال لن يكون هناك إمكان نهوض على الإطلاق إلا بعد سنوات طويلة. وهذا ما لا أتمناه». ولفت وزير حقوق الإنسان اليمني إلى أكبر درس من الحرب أن هذا البلد يجب أن يدرك أن «كل ما قدمه خلال السنوات الماضية هي مشاريع فاشلة، ومن ثم عليه بأهمية القبول بالآخر وبناء اليمن الجديد القائم على التنوع، ومسألة التسميات تظل شكلية، لكن المضمون الحقيقي لدينا 30 سنة من التجربة المريرة التي احتكرت الثروة والسلطة ودمرت كل شيء، والآن لدينا قناعة تامة بأنه لا يمكن لنا تكرار ذلك»، مختتماً بالقول: «إن اليمن الجديد يجب أن يكون مقنعاً ومرضياً لأبنائه، ويحقق العدالة لساكنيه. واليمن يخوض حرباً اليوم، كل منتصر فيها مهزوم بكل ما تعنيه الكلمة، فثمة فئة باغية قدمت لنا درساً نتعلمه لمئات السنين، بأن احتكار السلطة والثروة هو وبالٌ على كل البلد، وحتى على محتكريها أنفسهم».