لم يبدّل الأحد البلدي الطويل في المتن الشمالي من مزاج المتنيين الاعتيادي كل يوم أحد، فآثروا البقاء في منازلهم في ساعات الصباح الأولى كأن بلداتهم غير معنية بالانتخابات البلدية، وكاد مشهد اللامبالاة يشمل كل البلدات المتنية لولا المنافسة الحامية التي انحصرت في سن الفيل وانطلياس وبسكنتا والزلقا عمارة - شلهوب، وضهور الشوير وبيت شباب، وضبيه وطغى عليها خلط الأوراق بين خصوم الأمس وحلفاء اليوم... وزحمة سير خانقة في معظمها. واقترن غياب المنافسة بين الأضداد السياسيين، مع حضور رمزي للحملات الدعائية البلدية التي غابت عن معظمها الأعلام واللافتات البلدية وحلت مكانها أعلام الدول المشاركة في مونديال كأس العالم لكرة القدم الذي تستضيفه جنوب أفريقيا منتصف الشهر المقبل والتي رفعت بكثافة على شرفات المنازل ونوافذ السيارات مع أن اعلام عدد من الدول رفعت في المكان نفسه كأن من رفعها أراد الإيحاء بأن المشهد الكروي هو نفسه في البلديات التي غلب عليها الائتلاف بقرار صادر عن القوى المتحالفة التي كانت على خصام في الانتخابات النيابية الأخيرة. ويكاد الركود الانتخابي الذي سيطر على معظم البلدات ما عدا تلك التي «استضافت» منازلات بلدية اختلط فيها الحابل بالنابل لانعدام الانقسام السياسي، يوحي للقادم الى هذه البلدات من خارجها بأن المتنيين الذين لم يخرجوا من منازلهم الا ابتداء من الظهر يلتزمون قراراً بحظر التجول في الصباح... إلا ان التوافق البلدي في المتن الشمالي الذي سرى على العدد الأكبر من البلدات بدعم من نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر و «التيار الوطني الحر» وحزبي «الكتائب» و «القوات اللبنانية» والعائلات المتنية الفاعلة لم يقفل الباب في وجه السؤال عن أسباب تغليب الائتلاف على المعارك خصوصاً أنه سمح بإجراء الانتخابات بأقل تكلفة سياسية ومالية خلافاً للمنافسة التي استمرت في عدد ضئيل من البلدات. ومع أن المتنيين اقترعوا في البلدات الرئيسة لمصلحة هذا الائتلاف الذي ساهم فيه حزب «الطاشناق» فإن الأخير ضغط لتعميمه على انطلياس والزلقا - عمارة شلهوب، لكنه لم يفلح في الوصول الى تسوية من خلال المفاوضات المكوكية التي رعاها بين النائب المر و «التيار الوطني الحر» وهو قرر لهذه الغاية الطلب من محازبيه الالتزام بالاقتراع المتوازن في هاتين البلدتين لمصلحة اللوائح المتنافسة. إلا أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لم يكن شريكاً في الائتلاف المتني وهو لذلك حاول أن يدحض القاعدة القائلة بأنه الحلقة الأضعف في الانتخابات وقرر أن يخوضها بلائحتين في ضهور الشوير وضبيه ضد لائحتين مدعومتين من حليفه في الانتخابات النيابية العماد ميشال عون، وهذا ما يفسر الإقبال الشديد على صناديق الاقتراع منذ الثامنة صباحاً. كما ان إصرار «القومي» على دعم لوائح بعضها مكتمل والبعض ناقص في عدد من البلدات يأتي ليؤكد لحلفائه قبل خصومه بأنه قادر على تسجيل رقم انتخابي بصرف النظر عن الخسارة والربح. أما لماذا قرر عون الدخول في ائتلاف بلدي عريض يفترض أن يمكن النائب المر من الحفاظ على نفوذه المميز في معظم البلديات المتنية التي يتشكل منها اتحاد بلديات المتن الشمالي برئاسة ابنته ميرنا المر أبي شرف التي ترأست اللائحة التوافقية في بتغرين مسقطها؟ يقول أكثر من ناشط في «التيار الوطني» في المتن الشمالي ان هناك اعتبارات عدة أملت على عون تحبيذ الائتلاف بخلاف قراره في قضاء جبيل خوض الانتخابات وللسيطرة على اتحادها البلدي، تماماً كالائتلاف الحاصل بين الأضداد في بعبدات الذي جمع للمرة الأولى بين محازبي رئيس الجمهورية السابق اميل لحود ورئيس حركة التجدد الديموقراطي النائب السابق نسيب لحود تحت سقف واحد... ومن الاعتبارات التي كانت وراء قرار عون الائتلاف: - ان عون فضل عدم الدخول في اختبار لميزان القوى وبالتالي أراد الاحتفاظ بأوراقه وعدم كشفها في البلديات على رغم انه كان استخدم الورقة البلدية في معركته النيابية وأنذر معظم رؤساء البلديات إذا هم انحازوا الى منافسيه فيها عام 2009 وهددهم بملاحقة ملفات لهم. ولم يستعد التيار الوطني لخوض البلديات في المتن الشمالي لأنه راهن على تأخيرها عن موعدها، وهو لذلك قرر أن يستعيض عن خوض المعارك بحضور في بعض البلديات على أمل أن يحصد رئاسة البلدية في بعضها. - اصطدم عون بدور العائلات في حسم عدد من المعارك لا سيما أن معظمها قرر الحفاظ على مواقعها البلدية كأولوية لديها ما يؤدي الى إرباك القوى السياسية في حساباتها، اضافة الى انه تجنب الدخول في مواجهة ضد تحالف الكتائب - المر الذي يتميز عنه سواه في الإعداد للمعارك البلدية. وعليه فإن القراءة السياسية لمجريات المعارك البلدية تبقى مؤجلة الى إشعار آخر، علماً ان «القوات» سجلت حضوراً بلدياً هو الأول لها في المتن الشمالي.