«ميتانويا»، هي كلمة يونانية قديمة تعني التحول الذهني، وهي في الوقت ذاته عنوان المعرض المقام حالياً في غاليري «تاون هاوس» في القاهرة لأعمال الفنانة ومصممة الغرافيك نرمين همام. يضم المعرض عدداً كبيراً من الصور الفوتوغرافية المعالجة، والتي تلقي الضوء على أوضاع المصابين بإعاقات ذهنية في مصر. عادة ما تختار همام لأعمالها مواضيع قوية ومتعددة الجوانب، ثم تُحوّر الصور لتؤكد تلك الجوانب المتعددة للموضوع. ويتسم عملها في «ميتانويا» بقدر أكبر من المعتاد من العمق والتكثيف، حيث تركز فيه على فكرة التحول. «ميتانويا» مصطلح يعبر عن حدوث تحول عميق وروحاني. وهذا المصطلح يعبر تماماً عن تلك اللقاءات بين نرمين همام والمرضى من أصحاب الإعاقات الذهنية، حيث قضت ما يقارب الثلاثة أشهر في تواصل مباشر معهم، تحدثت إليهم، وشاركتهم الطعام، ونامت على مقربة منهم وتنزهت بصحبتهم وضحكت معهم. تقول همام: «قضيت وقتاً طويلاً قبل أن أبدأ في التقاط الصور، كنت أحاول فقط التأقلم على المكان. فقد كان علي أن أغير العدسة التي أنظر من خلالها إلى هؤلاء البشر، وأن أقترب جسمانياً من الموضوع». في معارضها السابقة استطاعت همام تطوير قدراتها في معالجة الصور والتدخل في سياقها، واختارت هذا الأسلوب لتقديم تفسيرات بديلة تتخطى موضوع الصورة الأصلي. وهي عادة ما تبدأ عملها بمسح ضوئي للصورة الأصلية، ويلي ذلك تكوين طبقات اللوحة، من الفيلم الأصلي، والرسم، والكلمات المكتوبة، وهي العناصر التي تتدخل من خلالها في سياق الصورة، فهي تعيد تشكيل التكوينات والعناصر بالحذف تارة وبالإضافة تارة أخرى. في معرضها الذي أقامته عام 2005 تحت عنوان «عاشوراء» على سبيل المثال، استخدمت همام هذا الأسلوب الفني لمعالجة الصور التي التقطتها لمظاهر الاحتفالات التي تحييها الطائفة الشيعية في عاشوراء في مدينة النبطية في جنوب لبنان. وتعاظم تأثير هذا التمثيل الدرامي والدموي لاستشهاد الحسين بفضل التدخلات الفنية التي قامت بها همام على الصور. أما هنا في «ميتانويا»، فقد اختفت الكتابات على الصور كما اختفت بصمة همام المعروفة، وهي تعدد طبقات الصورة. كما أن الصور في هذا المعرض تكتسب طابعاً أوضح وأقل تعقيداً، وهو ما يسمح للمشاهد بفهم البعد الأعمق للموضوع، وعلى رغم أن همام تستغرق تماماً في موضوع عملها، فإن «ميتانويا» تترك لدى المشاهد انطباعاً غير متوقع في قوته. وتقول معلقة على التجربة: «لاحظت أننا كبشر يمكننا التصرف بقسوة غير متصورة مع بعضنا البعض، لقد شاهدت الممرضات وهن تسئن استخدام سلطاتهن وتعاملن المرضى بكثير من عدم الإحساس، متناسيات تماماً أنهم بشر مثلنا. وحينما تجد همام نفسها مضطرة للتشكك في مظهر الأشياء، وفي قدرة البشر على التصرف بموضوعية، فإن النتيجة التي تستخلصها هي أن القسوة المفرطة هي خاصية متأصلة في البشر، خاصية يمكنها أن تظهر للعيان في أي وقت وأي مكان». ترسم همام في «ميتانويا» صورة لا لبس فيها للمعاناة الإنسانية، وهي بذلك تكشف عن خبايا الضمير الإنساني في مدينة القاهرة. هذا العمل به من الصراحة المؤلمة ما يذكر المشاهدين بأن المرء لا يمكن أن يواجه ذلك النوع من المعاناة من دون أن يواجه أولاً طريقة فهمه للآخرين، وهي رحلة تتطلب من المرء أن يفتح عينه على حقائق صعبة في تقبلها. درست نرمين همام الفن في الولاياتالمتحدة، واتجهت إلى السينما حيث عملت مساعدة إنتاج في فيلم «مالكوم إكس»، كما عملت في مصر مع الراحل يوسف شاهين، لكنها سرعان ما قامت بتغيير مجال عملها الفني بالتحول إلى التصميم الغرافيكي. عرضت أعمالها على نطاق واسع في مصر والخارج، ومنها مشاركتها في معرض فوتوكي في متحف كي برانلي في باريس، وفي بينالى إكوادور العاشر.