صحيح أن السمات المظهرية تظل واحدة: الشوارع شبه خالية من المارة والسيارات، الإجازة رسمية بأجر كامل، التلفزيون يبث فيلمي «الأيدي الناعمة» و»رد قلبي»، والفواصل عن أفلام تسجيلية تؤرخ لمصانع الغزل والنسيج (من دون الإشارة لعمالها المحتجين)، ومصانع الحديد والصلب (من دون ذكر عمالها المعتصمين)، ومراكز المعلومات (من دون التنويه بموظفيها المعترضين). لكن كل ما عدا ذلك من أحداث ومجريات يؤكد أن الاحتفال بعيد العمال في مصرهذه السنة ليس كغيره من الاحتفالات. ال106 اعتصامات، وال41 تظاهرة، وال36 وقفة احتجاجية، وال18 تجمهراً، وال83 إضرابا صبغت الاحتفالات العمالية في مصر اليوم بصبغة غير كلاسيكية، فقد جعلت مصر تتبوأ المكانة الثالثة بين شعوب العالم من حيث عدد الاحتجاجات العمالية، وحولت أحد أبرز وأهم شوارع وسط القاهرة إلى متنفس عمالي للمشكلات العمالية بدءاً من تدني الأجور، ومروراً بقرارات التسريح، وانتهاء بالفصل التعسفي. فرغم أن اليوم السبت إجازة رسمية من شأنها أن تحول شوارع القاهرة التي تئن يومياً من وطأة روادها أقرب ما تكون إلى قاهرة الثلاثينات في هدوئها وسكونها، إلا أن المركز الرئيسي – وإن كان غير رسمي- لعمال مصر في شارع القصر العيني وعلى الرصيف المواجه لمجلس الشعب (البرلمان) المصري لم يعترف بالعطلة الرسمية، بل بدأ الاحتفال بعيد العمال منذ أيام. فقد تفتق ذهن جموع المعتصمين والمحتجين في هذه البقعة الحيوية التي تلقب حالياً ب‘«هايد بارك مصر» أو «رصيف الشعب» عن لفت انتباه رئيس الوزراء مصر الدكتور أحمد نظيف إلى مشاكلهم المتراكمة، لا سيما تلك التي مضت أشهر على تفجيرها دون حلها، باستخدام المزمار البلدي. ورغم تحول هذه الطريقة العمالية المبتكرة للاحتجاج إلى احتفالية فنية حفلت بالضحكات والرقص، إلا أن المزمار البلدي لم يؤت ثماره مع الدكتور نظيف. ويمكن القول إن أحد أبرز الإنجازات العمالية التي تستحق أن يحتفل بها عمال مصر اليوم هو انتزاعهم الاعتراف الرسمي بهم وبمشاكلهم وحقهم في الاحتجاج، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة إيجاد الحلول الرسمية لها. فقبل أيام وصف رئيس مجلس الشعب (البرلمان) المصري الدكتور أحمد فتحي سرور أثناء جلسة برلمانية ما يحدث على الرصيف المقابل للبرلمان ب»المظهرالإيجابي الدال على أن مصر بلد ديموقراطي، وأنها صورة من صور حرية التعبير» وإن لم تفته الإشارة إلى ضرورة أن «تتم بطريقة سليمة لا تضر بحسن سير المرافق ولا تخل بالأمن». ورغم ال»نيو لوك» غير المسبوق في شكل الاحتفال بعيد العمال في مصر، يظل هناك تمسك رسمي واضح بالسير على النهج الكلاسيكي لهذا اليوم. فرغم تأجيل الاحتفال الرسمي بعيد العمال والإعلان بأنه سيكون «خلال أيام»، إلا أن محتوى الاحتفال يظل متمسكاً بالنهج التقليدي. فالعمل يجري على قدم وساق في النقابات العمالية لترشيح اعضائها وممثلي العاملين الذين سيحضرون الاحتفال، مع تحديد أسماء المكرمين من قدامى النقابيين والعاملين السابقين في وزارة القوى العاملة. من جهته احتفل مجلس الوزراء بالمناسبة بإصدار بيان يؤكد «رعاية الحكومة للعمال ومطالبهم العادلة والمشروعة». وفي الوقت الذي يرفع فيه العمال والموظفون المعتصمون على رصيف البرلمان شعارات مثل «آدي منحة عيد العمال .. فقر وتصفية وإهمال»، و»آدي العلاوة الاجتماعية .. عمال نايمة على الرصيف»، يتساءل البعض إن كانت العبارة الشهيرة المطالبة ب»المنحة ياريس» والتي ارتبطت في كل عام بإلقاء رئيس الجمهورية خطابه في هذه المناسبة ستنتج عنها منحة ترضي العمال أم تؤدي إلى قدر أكبر من التزاحم على «رصيف الشعب».