صادف الأسبوع الماضي ذكرى وفاة اثنين من كبار الفنانين السودانيين الذين تركوا أثراً لا ينسى في تاريخ الأغنية السودانية. ففي 17 كانون الثاني (يناير) 1996، توفي المغني والملحن الأسطورة «الكروان» مصطفى سيد أحمد، ليتبعه بعد 17 سنة محبوب الجماهير محمود عبد العزيز، الملقب ب «الحوت». ولم يشترك سيد أحمد وعبد العزيز في تاريخ الوفاة فحسب، بل يُعد كلاهما أسطورة في عالم الفن السوداني، على رغم اختلاف الاتجاه الفكري وأسلوب الغناء ونوع الأثر الذي تتركه أغانيهما على الجمهور. ويعرف سيد أحمد الذي ولد في قرية ود سلفاب في مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة عام 1953، بتفرده في اختيار كلمات الأغاني وإبداعه في التلحين، وتناوله الأوضاع الاجتماعية وقضايا الوطن في أعماله الفنية. أما «الحوت» الذي ولد عام 1967 في العاصمة الخرطوم، فاكتسب قاعدة جماهيرية واسعة من الشباب أو «الحواتة» الذين أطربهم صوته الشجي والعاطفة المرهفة في معظم أغانيه. وفيما احتوى فن «الكروان» هموم الشعب وقضايا الوطن والرمزية السياسية، وصف الكاتب عبد الواحد إبراهيم رحلة «الحوت» في عالم الغناء بأنها بعيدة من السياسة، وأقرب إلى أن تكون «تجربة غنائية عاطفية رومانسية بحتة، ونرجسية مصحوبة بصوت شجي قوي وموسيقي واقعية أخاذة». ومهما يكن الاختلاف بين التوجه الفكري في أغاني الفنانين، إلا أن كلاهما نال استحساناً واسعاً وحباً جماهيرياً كبيراً، ظهر جلياً في يومي وفاة كل منهما، عندما تجمعت حشود كبيرة أمام مطار العاصمة لاستقبال جثمانيهما، إذ أمضى الفنانان آخر أيامهما يتعالجان خارج البلاد. وضجت مواقع التواصل الاجتماعي طوال الأسبوعين الماضيين بذكرى «الكروان» و«الحوت». ودشن معجبوهما على «تويتر» وسوماً (هاشتاغات) عدة في ذكرى وفاتهما، أبرزها «ذكرى الرحيل» الذي احتوى كلمات أشهر أغانيهما، ومقتطفات عن حياتهما، إضافة إلى تأثيرهما في عدد ضخم من السودانيين. وغرد محمد علاء: «مصطفى سيد أحمد، محمود عبد العزيز... رحمكما الله بقدر ما قدمتما للجمال تفسيراً، وبقدر ما جعلتما للخيال معنى»، وكتبت مغردة تستخدم اسم «ذكريات العالم»: «مصطفى سيد أحمد، محمود عبد العزيز... رحمكما الله بقدر ما أعطيتما للبهاء من معنى، و بقدر ما خلقتما للخيال صوتآ»، وأضاف مغرد آخر: «ما أفجع هذا اليوم الذي سرق منا حناجر كانت في أوج عطائها». وكتب محمد عطية أن «مصطفى سيد أحمد سيبقى في داخلنا ما بقيت حياة على هذه الأرض»، فيما غرد أمجد قائلاً إن «محمود عبد العزيز هو الذي كلما ساء بي المزاج، كان أول الحاضرين»، ووصف أسعد الساير «الحوت» بأنه «كان وطناً للجميع، وطن واحد بانتمائه إلى السودان، لا لعرق. ووطن واسع بإبداعه وتفرده وانسانيته ونقاء روحه».