لم يعد الجيل الجديد في منطقة الباحة يحن إلى خبز أمهاته ولا قهوتهن ولا أسمائهن، مفتتناً باللغات الأجنبية، والمأكولات والمشروبات الوافدة واختيار الأسماء «المودرن» لأبنائه وبناته المانحة شعوراً بالاستقلالية وإن أماتت الذاكرة، وألغت حقبة اجتماعية مليئة بحمولات تجيد عزف ألحان بهجتها وعاطفة تاريخها وتحد من شكوك الانفصال بين الأجيال. وحين حاولت الجدة «سعدى» أن تلفظ اسم حفيدتها الأولى «ميرال» أعيتها صعوبة المفردة وغرابة اللفظ، ما دفع الحفيدة للتجاهل وعدم الالتفات للجدة كونها لم تتقن نطق اسمها، فتأوهت «سعدى» شجناً ورددت «الله لا يعيدك من جيل غيّر اسمه ورسمه» واتكأت على وسادة الصمت، ماضغة أوراق ذكريات لها طعم القصائد الطازجة. ويرجع الباحث الاجتماعي محمد ربيع التحول في اختيار أسماء وافدة للمواليد من الجنسين إلى وسائل الإعلام والفضائيات منها خصوصاً، كونها نشرت أسماء مشاهير من مذيعين ومذيعات وممثلين ومطربين، لافتاً إلى أن لكل عصر موضته الخاصة به، واصفاً الأسماء الجديدة بال «كيت كات» لتزامنها مع ظهور ماركات وصناعات جديدة في كل مناحي الحياة، مؤكداً تقبله برحابة صدر التمظهرات المستحدثة في واقعنا وإن أرغمته على شرب كؤوس الخيبات. من جانبه، أوضح مصدر في أحوال الباحة أن إدارة قسم المواليد تضج يومياً بأسماء يتعذر على المبلغين عنها نطقها، ومنها «ريتال» و«ديالا» و«فرات» و«نانا» وتيم، وملاذ، ولاتين، وتولين، وسولاف، وبيسان، وميرال، مؤكداً تراجع أهالي منطقة الباحة عن التسمية بأسماء جداتهم وأمهاتهم، متوقعاً استغناء الجيل المعاصر كلياً عن تسمية أولادهم بالأسماء التقليدية ومنها صندلة ودرويشة وفضيلة ورفعة وخضراء، مضيفاً أن معظم الآباء يتراجعون عن الأسماء المدونة مرات عدة، ما يقلق المعني بتدوين الأسماء في السجلات، مشيراً إلى تفشي ظاهرة المستورد على حساب المحلي، لافتاً إلى أن التعليمات تنص على منع التسمي ب«ملاك» للإناث، والبراء للذكور، والمُعرّف بالألف واللام عدا الوليد والحسن والحسين. فيما يذهب الجد سعيد الغامدي إلى عدم افتتانه بأسماء «الإناث» التي لا تسكن صدر الرجل ولا تختلط بأنفاسه، ولا تحرّضه على الإبحار إلى قافية من غمام، داعياً إلى التذكر بأن «الأسامي كلام».