في سياق الاحتفال ب «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» الذي مدّد شهراً إضافياً، والذي تديره الكاتبة ليلى بركات، ارتأت دار نلسن أن تحتفي بهذا الحدث على طريقتها وهي فريدة حقاً، فأعادت إصدار العدد الأول من مجلة «شعر» التي كانت أحد وجوه بيروت، مدينة الحداثة. والعدد هذا الذي شاءته تذكارياً والذي يوزع مجاناً كان صدر في شتاء 1957 وضم قصائد ونصوصاً لبدوي الجبل ونازك الملائكة وفدوى طوقان وأدونيس وسعدي يوسف ويوسف الخال صاحب المجلة ومؤسسها وسواهم. وكتب صاحب دار نلسن الأديب سليمان بختي مقدمة لهذه البادرة، جاء فيها: «أطلقت بيروت عاصمة عالمية للكتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة دينامية حيوية تفاعلية تواصلية في المدينة. وجدت الكثير من الأفكار والمبادرات والمشاريع والأحلام طريقها الى التحقيق. تحركت المياه دوائر دوائر، وتوالدت النشاطات والندوات وإصدارات الكتب، وتوالت المعارض والمؤتمرات والمهرجانات والأمسيات الشعرية والترجمات واللقاءات الثقافية مع كتّاب ومفكرين وشعراء كبار في لبنان والعالم. كانت بيروت تلتفت وتتذكر نفسها وتضيف الجديد وتنظر الى المستقبل، وتلتمس الشوق الى الثمار والعطاءات والإنجازات: هل كان ممكناً أن يتحقق كل ذلك من دون الدعم والمناخ والإطار كما وفّرتها بيروت عاصمة عالمية للكتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة. طبعاً ان أحلامنا بنهوض ثقافي واجتماعي وإنساني يبقى أعمق وأبعد وأكثر تجذراً وسيظل ينادينا جميعاً ويدفعنا للمزيد من العمل والجهد والسعي والزرع. ولكن لا يمكن أن نرى قبساً من الضوء ولا نحتفي به أو نشيح عنه. بيروت تأتي اليوم على رسلها بجزيل الرونق والعطر وبباقة من الأخبار الطيبة والتلاوين لتكمل ما فعله الأسلاف. وترى الى الثقافة باعتبارها فعلاً إنسانياً خلاقاً وحقلاً للحوار والمواجهة والشجاعة. ولعل من بين الظاهرات الأهم والأجمل والأعمق أثراً في حركتنا الثقافية ما أطلعته بيروت في أواخر الخمسينات تأتي في الطليعة مجلة «شعر» وهي صدرت بين 1957 و1964 في مرحلتها الأولى وبين 1967 و1969 في مرحلتها الثانية. مجلة استمرت ثماني سنوات واستطاعت أن تغير وجه الشعر العربي الحديث، وتحول مجرى الشعر العربي مفهوماً وشكلاً ومضموناً الى رؤى وآفاق جديدة. كوكبة من الشعراء المبدعين اجتمعت في العمل والحفر والمغامرة الحرة والعبرة الكافية لإنجاز المشروع والحلم بالوصول. تلاقوا ومشوا في الطريق الصعبة بين المشقة والشغف، وكانت بيروت تلفّهم بالرداء والجناحين والظل الوارف. هذا الإصدار التذكاري للعدد الأول من مجلة «شعر» (شتاء) 1957 تحية الى كل الذين تلاقوا ذات مرحلة في بيروت وفي المجلة (المؤسس وهيئة التحرير) كمنبر للحداثة وكمشروع للريادة والتجديد مثلما تلاقوا على الكلمة والإنسان والمعنى والإبداع وقيم الحداثة والحرية والتغيير».