كان توفيق صالح واحداً من أهم المخرجين المصريين، فهو مخرج متفرد سواء على مستوى المواضيع التي طرحها في أفلامه أو على المستوى الفني الرفيع لتلك الأفلام، وهو لم يخرج في تناول أفلامه عن المنهج الواقعي، حيث قدم واقعية شديدة الخصوصية، محرضة وصارخة توقظ الوعي تنحاز للبسطاء على الدوام، وأثبت من خلال أفلامه تمكنه السينمائي في التعبير عن رؤيته وأفكاره، ما سبق جزء من مقدمة كتاب «توفيق صالح... المتمرد» الذي صدر أخيراً للباحث والمؤلف والمخرج أسامة فهمي عبدالظاهر ضمن سلسلة «آفاق السينما» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. وتناول الكتاب في أجزائه المناخ السينمائي الذي عاصره صالح والطرح الفكري والفني وخصائص العلاقة بينهما، ومؤكداً أن عالم صالح السينمائي رحيب ومملوء بغنى وثراء القضايا المهمة التي كان يموج بها الواقع المصري في شكل خاص، والعربي في شكل عام في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وأشار إلى أن حياته السينمائية تتمحور في تجلياتها وإشراقها حول قيمة عدم التنازل عن المبادئ، حتى لو أدى الأمر إلى أن يكون أقل أبناء جيله في عدد الأفلام التي أخرجها خلال نصف قرن بدأت بفيلم «درب المهابيل» عام 1955، وتبعته مجموعة من الأفلام لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة والغريب أن معظمها تقريباً احتل مكان الصدارة في قائمة أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية في الاستفتاء الذي أجراه مهرجان القاهرة السينمائي 1996. يذكر الكاتب كيف أن صالح، مولود في الإسكندرية عام 1927، درس في كلية فيكتوريا، وحاصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنكليزية العام 1950 وسافر إلى باريس ليدرس السينما، وبعد عودته العام 1953 تعرف إلى نجيب محفوظ الذي عمل في تلك الفترة مؤلفاً للسينما، وعرض عليه معالجة سينمائية أصبحت فيلمه الأول «درب المهابيل» (1955). ثم لعبت المصادفة دورها بعد مرض المنتج والمخرج عز الدين ذو الفقار فانتقلت إليه مهمة إخراج فيلم «صراع الأبطال» 1962، ثم راح يناقش الحالة السياسية في مصر في فيلم «المتمردون» الذي أنتج 1966 أي قبل نكسة 1967، واضطر إلى تكثيف عملية الترميز هروباً من القيود الرقابية. أما «يوميات نائب في الأرياف»، فأجيز عرضه كاملاً من دون حذف بأمر الرئيس جمال عبدالناصر، بعدما كان أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي اقترحوا ستة عشر حذفاً.وتوقف عبدالظاهر عن محطتي صالح في سورية والعراق، حيث أخرج في 1973 فيلم «المخدوعون» من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق عن رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس» والذي يمثل طفرة في دعم القضية الفلسطينية. ونال الفيلم العديد من الجوائز. ثم انتقل إلى العراق، حيث سافر لتدريس السينما، وقدم فيها آخر أعماله السينمائية عام 1981 وهو فيلم «الأيام الطويلة»، ثم عاد إلى مصر 1984. واستخلص عبدالظاهر بعد المسح الشامل للعالم السحري لصالح الذي توفي في 18 أب «أغسطس» 2013 وبعد التدقيق والتحليل لكل لقطة في أفلامه، 10 نقاط مهمة لخصها في أن السينما لديه أداة إدراك معرفي للواقع وتناقضاته الإنسانية أكثر منها أداة إدراك جمالي، وأن السينما عنده إن لم تكن صراع أفكار فهي ليست سينما، وأن أحد سماته هي طريقة السرد التقليدية، فالكثير من المخرجين يهتمون بالإبهار بينما يعتبره هو معطلاً للعقل. كما أنه يبحث عن وظيفة الصورة وليس جمالها، وأهمية الحوار لديه بنفس مستوى أهمية الصورة، لكن أهم من الاثنين الفعل والحرك. كما تلعب الشخصيات الرئيسية في أفلامه دوراً في عمليتي التقدم والإصلاح، وهو ما كان يعتبره واجباً وطنياً وعبئاً كبيراً يقع على السينمائي نفسه تجاه وطنه، وأنه إذا استطاع الفيلم أن يوصل مضمونه للمتلقي بوضوح، فذلك يعني أن هذا الفيلم قد وجد شكله السينمائي المناسب والمثالي لتقديم هذا المضمون، وأن المخرج لو حاول تقديم مضمون جيد، لكن هذا المضمون لم يصل واضحاً، فإن هذا يعني أن الفيلم رديء فنياً، وأن جودة الفيلم الفنية وردائته ليست متعلقة في شكل سينمائي ما، أو باستعراضات تقنية مبهرة، بقدر ما هي مرتبطة بمقدار قدرة المخرج على توصيل ما يريد قوله للجماهير أو عدم قدرته على ذلك.