استهل الاقتصاد الإسلامي مسيرته لعام 2016 بخطوة مهمة على طريق تحقيق أحد الأهداف الرئيسة لمبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، ففي جلسته التي عقدت الأحد الماضي وافق مجلس الوزراء في دولة الإمارات، على تأسيس «المنتدى الدولي لهيئات اعتماد الحلال» الذي سيكون مقره في إمارة دبي. ويُعتبَر المنتدى الأول من نوعه على مستوى العالم، وستتولى هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس بالتعاون مع مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، مسؤولية تنظيم هذا المنتدى الذي يهدف إلى تشكيل مرجعية عالمية موحدة لمعايير الحلال. وسيوفر هذا المنتدى حاضنة دولية لكل الهيئات والمؤسسات العاملة في مجال صناعة وتجارة السلع والخدمات الحلال، كما سيساهم من خلال الحوار بين هذه الهيئات في تجسير الهوة الموجودة في اعتماد مفهوم الحلال بين هذه الهيئات، وصولاً إلى توحيد المفهوم وعولمته ليشكل رافعة لهذه الصناعة التي تحظى باهتمام دولي، وتحقق معدلات نمو متزايدة تفوق مثيلاتها في الصناعات التقليدية. وحول هذه الخطوة قال عبدالله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي: «تقارب مسيرة الاقتصاد الإسلامي عامها الثالث محققة إنجازات مهمة خاصة في قطاع الحلال الذي شهد ازدهاراً عالمياً وقدم فرصاً استثمارية واعدة للمهتمين بالاستثمار في قطاعات مستدامة مرتبطة بالحاجات الأساسية للمسلمين وغير المسلمين حول العالم. ووفق تقارير دولية بلغ حجم التجارة الحلال 1.8 تريليون دولار عام 2014 ويُتوقع ان يصل إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2020». وحققت دولة الإمارات في شكل عام وإمارة دبي في شكل خاص إنجازات مهمة على هذا الصعيد العام الماضي كان من أهمها تكريس العلامة الوطنية للحلال الصادرة عن هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس «مواصفات» ومنحها لأكثر من 20 شركة ناشطة في الصناعة الحلال في الإمارات، وإنشاء «مركز الإمارات العالمي للاعتماد» في إمارة دبي الذي يهدف إلى الارتقاء بالمستوى المهني للمؤسسات والشركات وكل مكونات الاقتصاد الوطني. لكن الاختلافات العالمية تبقى حول مفهوم الحلال تحدياً قد يمس مستقبل هذه الصناعة ويضعف من معدلات نموها إضافة إلى ما قد تسببه من إرباك لدى المستهلكين والمستثمرين الذين يبحثون عن جهات موثوقة لضمان ان تداولهم في المنتجات الحلال عملية متوافق عليها من قبل الهيئات الفقهية والإدارية. لذا يأتي هذا المنتدى الذي بادرت إليه دولة الإمارات بمثابة خطوة عملية وجريئة لتجاوز هذه الحالة من ضعف التنسيق لدعم مسيرة الاقتصاد الإسلامي كونها مسيرة تعبر عن مصلحة واحتياجات الملايين حول العالم. وأوضح العور «ان منتجات الاقتصاد الإسلامي كلها من سلع وخدمات تختلف عن منتجات الاقتصاد التقليدي كونها تستمد مشروعية تداولها من الشريعة والتراث الإسلامي التي تؤكد ضرورة التزام معايير أخلاقية وإنسانية في مجمل التعاملات الاقتصادية. لذلك كان ضرورياً إنشاء مرجعية دولية لضمان الالتزام بهذه المحددات. ونرى في أخلاقيات الاقتصاد الإسلامي التي يجب ان تكون محمية بقوانين ومعايير مشتقة من الشريعة والعلوم الإنسانية، ميزة تنافسية تمنح الاقتصاد الإسلامي فرادة ستؤثر إيجاباً في كل المنظومات الاقتصادية الأخرى. العالم اليوم يدرك مدى أهمية ان تكون الجودة وشروط السلامة الصحية والبيئية مجالاً للمنافسة في العهد الاقتصادي المقبل، خصوصاً في ظل ما يعانيه عالمنا من اختلال في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية». وحول قدرة هذا المنتدى على توحيد المعايير العالمية أضاف العور «ان الاختلافات حول المعايير والمواصفات ليست اختلافات حول الجوهر بقدر ما هي اختلافات إجرائية، فالشريعة الإسلامية التي تحدد مفهوم الحلال واضحة في شرح وتفصيل كل ما يتعلق به من إنتاج واستثمار وتجارة وغايات، لذا نأمل بأن تساهم المناقشات واللقاءات التي سيشهدها المنتدى في الاتفاق الآليات التي نحتاجها لعولمة معايير هذه الصناعة». وأضاف العور: «ان احتضان دبي لهذا المنتدى سيعزز من مكانتها كعاصمة للاقتصاد الإسلامي وكمرجعية معرفية وثقافية لمفاهيم الاقتصاد الإسلامي وفي مقدمها مفهوم الحلال وما يتبعه من معايير ومقاييس. ان هذه المكانة التي تصبو إليها دبي وحققت حتى الآن الكثير من عواملها ليست هدفاً بحد ذاته، بقدر ما هي وسيلة تعبر عن رغبة قيادتنا في المساهمة في تحقيق الاستقرار والنمو للاقتصاد العالمي، فهذا هو الهدف النهائي الذي من أجله أطلق صاحب السمو مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي في العام 2013. من هذا المبدأ نحن نعلم ان تحقيق هذا الهدف لن يتم إلا بالمشاركة الفعالة والمخلصة من قبل كل الهيئات الرسمية والخاصة التي تشاركنا الرؤية حول الاقتصاد الإسلامي وحول ما يمكن ان يقدمه من دفع لمسيرة التنمية العالمية». وحول أبرز المهمات التي سيتولاها المنتدى، أوضح العور: «لا تقتصر مهمات المنتدى على توحيد المعايير وعولمنها، إذ سيعمل أيضاً لتنشيط حركة التجارة الحلال وتسهيل تدفق المنتجات بين الدول من خلال التنسيق مع المنظمات المعنية بحركة التجارة الإقليمية والعالمية. كما سيسعى إلى بحث واقع البنى الهيكلية التنظيمية والتشريعية في كل الدول المعنية لتحقيق هذا الهدف. ونأمل بأن يساهم هذا المنتدى في نقل الاقتصاد الإسلامي إلى المكانة التي يستطيع من خلالها إحداث فروق جوهرية وإيجابية على خريطة الاقتصاد العالمي».