يتأرجح الأردن الرسمي بين خياري عواقب قرار حاكم إسرائيل العسكري بطرد سكان الضفة الغربية ممن لا يحملون أذون إقامة رسمية، وبين مواجهة تصعيد أصوات المعارضة المطالبة بإلغاء معاهدة السلام، إذ يبدو أن أصحاب القرار يتحاشون التهويل بعواقب القرار الإسرائيلي الذي ينذر بتغيير ديموغرافي في عمان جراء طرد زهاء 70 ألفاً من سكان الضفة، ثلثاهم قد يجدون أنفسهم على معبري وادي الأردن. السبب في ذلك يعود إلى توجس المسؤولين حيال تنامي الضغط الشعبي والحزبي بقيادة الإسلاميين للمطالبة بإلغاء معاهدة السلام، التي أبرمت قبل 16 سنة. فعلى رغم تصاعد ممارسات حكومة إسرائيل السلبية إلى درجة الإضرار بالأمن القومي، لا تزال عمّان ترى في المعاهدة خطاً أحمر يتعلق بالتحالف الاستراتيجي مع واشنطن. هذه المعادلة قد تفسر تذمّر كتاب ومحللين من ابتعاد صحف مقربة من الحكومة عن نشر مقالات وتعليقات ساخنة ضد إسرائيل منذ صدور قرارها الرقم 1650 قبل أسبوعين، بدعوى عدم «اثارة الرأي العام» الغاضب أصلاً، وأيضاً من إجراءات تهويد القدس وتشريع خطط الاستيطان، بما يخالف بنود المعاهدة. مسؤول أردني رفيع يصف من يطالب بإلغاء المعاهدة «كمن يطالب بإبعاد ورقة مهمة تحمينا من تصعيد العلاقات». ويضيف ل «الحياة»: «المعاهدة ضمانة للعلاقة الثنائية، وتوفر مرجعية قانونية للعلاقات. كما تساعدنا على خدمة المصالح الفلسطينية». ويخلص المسؤول الأردني إلى التذكير بأن «العرب يدعمون لغاية الآن خيار التفاوض وصولاً إلى سلام مع إسرائيل». بالتوازي، يعلن الأردن في كل مناسبة بأن قرار إسرائيل «باطل ومرفوض». ويؤكد مسؤولون أن المملكة قادرة على محاصرة إجراء إسرائيل وإبطاله بالطرق الديبلوماسية والسياسية. كما يعتقدون أن إسرائيل لن تقدم على فعلة ستكسبها مزيداً من انتقادات المجتمع الدولي. أحد المسؤولين يؤكد أن الأردن والسلطة الفلسطينية تلقيا تطمينات بأن القرار لا يستهدف أمن المملكة واستقرارها بل «أقل من عشرة فلسطينيين غير مرغوب بإقامتهم في الضفة. وبالتالي لن يفضي إلى موجة تطهير عرقي جديدة أو تغيير في آليات اعتماد أذون الإقامة هناك. على أن تلك التطمينات، بحسب المسؤول ذاته، «لا تعني أن كل ما يقولونه صحيح أو أننا نثق بهم وبنياتهم» مؤكداً أن الحكومة تتعامل مع القرار «بمنتهى الجدية، والحذر والترقب». وشدد أن «عليهم أن يعلموا أن موضوع التجاوز على الشرعية غير مقبول ولن نسمح لأي قوى خارجية أن تفرض أي شيء على الأردن». وفي دردشات مع إعلاميين الأسبوع الماضي، أكد مسؤولان اردنيان رفيعان أن قرار إسرائيل «لا يعنينا لأننا لن نسمح بإبعاد أي شخص إلى أراضينا». وأبدى المسؤولان ثقة بأن «سياسة الإبعاد ستفشل ولن تحقق إسرائيل أي شيء ضد الأردن»، بشرط أن «لا تهتز جبهتنا الداخلية». وبخلاف التصريحات والتسريبات، الحادة تارة والديبلوماسية تارة أخرى، لا يبدو أن صانع القرار هنا يرسم استراتيجية لمواجهة أزمة محتملة أو يضع خططاً لصد موجات ترانسفير محتملة. وزير سيادي أسبق حضّ على اتخاذ إجراءات استباقية عاجلة لرسم فاصل ديموغرافي بين الأردن والضفة الغربية؛ كأن يعلن الأول أن جميع وثائق السفر الممنوحة لسكان الضفة الغربية لم تعد صالحة على أن تستبدل بجوازات سفر فلسطينية. هذا في وقت شهدت فيه عمان تسريبات من دوائر تدق ناقوس الخطر، إذ تكشف أن ما يزيد على 75 ألف فلسطيني حولوا وثائق سفرهم إلى أردنية خلال السنوات الخمس الفائتة. بموازاة الانتقادات التي تتحرك تحت سقف المعاهدة، تواصل عمان حظر الأنشطة الشعبية والنقابية والحزبية المطالبة بإحياء حق العودة ومهرجانات التيار الإسلامي الذي يعمل بكل الطرق الدستورية على إفشال المعاهدة، ذلك أن أحد بنودها ينص على رفض أي إجراءات قد يتخذها أي من الطرفين لتهديد أمن واستقرار الآخر. أما الإعلام الرسمي فيفضّل الجلوس في المنطقة الرمادية بعيداً من التصعيد. في المقابل يرى سياسيون وحزبيون أن قرار إسرائيل الاستفزازي الذي استكمل قراراً مماثلاً صدر قبل ستة أشهر هو من أخطر القرارات التي أصدرتها منذ احتلت الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان وسيناء عام 1967. فهذه النخب ترى في إجراء إسرائيل «تعبيراً فعلياً، ممنهجاً لأيديولوجية تخدم سياسة التوسع وتهويد القدس، وتنسف أسس عملية السلام بما فيها قيام دولة فلسطينية مستقلة: أساس إستراتيجية عمان السياسية». ما يفاقم الوضع أن ساكن البيت الأبيض الحائز على جائزة نوبل للسلام أبلغ ملك الأردن قبل أسبوعين أنه لن تطلق مبادرة سلام ما لم يتحرك الإسرائيليون والفلسطينيون على الأرض ويظهرون رغبة ما في التفاوض. الأمر أشبه بمساواة الذئب بالنعجة في منظور باراك أوباما، بعد سنة على مد يده للعالمين العربي والإسلامي من أنقرة والقاهرة. سيف حكومة بنيامين نتانياهو المسلط بفعل القرار الأخير يهدد بإبعاد آلاف الفلسطينيين ممن لا يحملون بطاقات إقامة صادرة عن سلطات الاحتلال أو مواجهة السجن سبع سنوات وغرامات. من بين الفئات المهددة بالقذف إلى المجهول آلاف الغزّاويين، منهم من يسكن الضفة منذ عام 1967 أو فلسطينيون يحملون جنسيات أوروبية عادوا من الشتات للعمل مع السلطة بعد اتفاق «أوسلو» (1993) عبر تصاريح زيارة أو «تأشيرة». غالبية هذه الفئات سعت لتحويل تأشيراتها إلى إقامات دائمة، لكن سلطات الاحتلال جمدت النظر في طلباتهم. كثيرون من هذه الفئة كانوا أسرى. وهناك أيضاً بدو لم يحصل كثير منهم على بطاقات هوية، ومقدسيون يحملون تصريحات ترفض إسرائيل تجديدها. وأمام أوامر الإبعاد المبهمة، قد يرحّل مقدسيون وبعض الغزيين إلى الأردن، كبرى الدول المستضيفة للاجئين والنازحين. ووفقاً لتقديرات مؤسسات حقوقية فإن القرار العسكري الأخير يستهدف نحو 70 ألف فلسطيني في الضفة لا يحملون بطاقات هوية صادرة عن السلطة. ويخشى الأردن، بحسب مسؤولين، من إبعاد 50 ألفاً من سكان الضفة إلى أراضيه ما سيفاقم الاصطفاف الداخلي بين مؤيدي الإبقاء على التقسيمات الجفرافية في قانون الانتخابات قيد الإعداد، ومريدي توسيع قاعدة التمثيل الديموغرافي، قبل تسوية القضية الفلسطينية. قياس تداعيات ممارسات إسرائيل لن يتضح بين ليلة وضحاها، بحسب مسؤولين، بل سيتبلور مع تراكم قرارات إبعاد يومية لمجموعات صغيرة خلال السنوات الخمس المقبلة لتصبح عشرات الآلاف. فمن المستبعد أن تقدم دولة الاحتلال على ترانسفير يشمل مئات بالجملة لأن ذلك سيثير ردود فعل غاضبة لدى المجتمع الدولي. نظرياً، قدمت إسرائيل قرارها للأردن والسلطة على أنه لا يشمل من يقيم في الضفة بشكل معتمد أو الغزاويين ممن دخلوا وأقاموا في تلك المناطق بشكل معتمد قبل حزيران 2007. وبينما يجمع العرب على مواصلة التمرين الصوتي ورمي سهام الإدانة والشجب، يتنصل أوباما من مواجهة قرار إسرائيل المناقض لمعاهدة جنيف الرابعة (مادة 49)، التي تحظر أي ترحيل قسري للسكان من المناطق المحتلة. إسرائيل تخرق أيضاً اتفاقات الحكم الذاتي المرحلية التي اعتبرت الضفة وغزة وحدة جغرافية، ومعاهدة السلام الأردنية. فحص نيات إسرائيل لن يستغرق أكثر من بضعة أيام، خصوصاً مع صدور إدانات شديدة عن الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء سمير الرفاعي أثناء وجودهما في واشنطن. وبحسب مسؤولين المطلوب الآن تطوير آلية سريعة قابلة للقياس والتعديل للسيطرة على حركة الجسور في متابعة تأثير قرار إسرائيل على المعادلة الديموغرافية على ضفتي النهر. على السلطة الفلسطينية أيضاً اتخاذ إجراءات شفافة تعلن بموجبها أن كل فلسطيني في الضفة وغزة يحمل الجنسية الفلسطينية. وقد تهدد بقلب الطاولة على إسرائيل بإعلانها حل السلطة أو تشجيع انتفاضة ثالثة بعيداً من العنف. الأردن الرسمي يقف اليوم أمام تحد غير مسبوق. فأي تساهل مع القرار الأخير يعني انه لا يمانع الترانسفير وان لا حول ولا قوة له إلا مقاومة القرار بالحديث عن أنها إجراءات باطلة. خيارات العرب محدودة لا تتعدى الشجب والإدانة والشكوى لمجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، التي فشلت في تطبيق قرار عدم مشروعية جدار الفصل.