على رغم الصعوبات التي يواجهها المسرح اللبناني، تغير المشهد في الربع الأخير من العام 2015، فامتلأت المسارح بالعروض والمتفرجين، وتمكن الممثل المسرحي اللبناني من أن ينال حظه من الأضواء، وشهدت خشبات مسارح العاصمة بيروت عروضاً متميزة ومنها عمل كميل سلامه بعنوان «إنجازات حياة،life achievements» المستمر حتى هذا الشهر على مسرح الجميزة - بيروت. وعندما يجتمع كل من جيزيل بويز وداني بستاني ولارين خوري وفؤاد يمين وأدون خوري وإستير كامبل، لا بد للفكاهة والسخرية وخفة الظل أن تكون المسيطرة. عندما يُضاف إلى الإخراج المتقن والتأليف الساخر، التمثيل المتألق، يتحول العمل المسرحي إلى ساعة من الضحك والشعور العميق بمأسوية الحالة في الوقت نفسه. فقد تمكن سلامة من نقل وضع الممثل اللبناني بظرافة وخفة فريدتين، فأخبر المتفرج عن حياة الممثل والصعاب التي تواجهه والمواقف التي يتعرض لها من المهد إلى اللحد في إطار مميز وحبكة مسرحية ذكية وغير متوقعة. ولادة أولى لوالدين هما حلا وإلياس ولجدتين فولكلوريتين هما إم إسكندر وإم إلياس، مشاهد طريفة وفصل من العودة إلى جذور لبنانية محض، فصل زاخر بالنكات المتواصلة. وبعد الولادة تبدأ حياة الممثل، فتسير مسيرتها المعهودة، ليمر ذكر الحب والزواج وغلاء تكاليفه ومتطلباته العصرية، لينتقل الممثل إلى فصل ثانٍ هو فصل دخوله المستشفى للخضوع لجراحة طبية. فترد شخصيات الممرض والممرضة والطبيب والمريض القابع في السرير المجاور وزواره. شخصيات أقل ما يُقال عنها أنها طريفة ومضحكة ومتمكنة من أدوارها. أما الفصل الأخير من المسرحية فهو طبعاً فصل الموت مع ما يرافقه من فلسفات ونظريات ماورائية، فيُمثَل الموت بالنفق الأبيض الذي ينتظر الجميع سطوع نوره ليدخلوا فيه ويختفوا عن هذه الأرض. ويتميز هذا الفصل بأبعاده النفسية الجميلة الهادئة المرفقة بمجموعة من النكات التي تعكس حال الممثل عندما يكبر بالعمر ويتحول إلى عبء على المستشفى الذي يخشى أن يأخذ على عاتقه مسؤولية تطبيبه بالمجان لكونه أعجز من دفع تكاليفه الطبية. ولا ينسى سلامة سيدات المجتمع الراقي والمعزين الذين يأتون ليعزوا بالممثل الفقيد ويجهلون بمن يعزون فيأتون لشرب القهوة والبروز على الساحة الاجتماعية والتمرن على إلقاء الخطب في حفل منح الممثل وسامه. مواقف حياتية مؤلمة يمر فيها الفنان، مواقف أجاد سلامة نقلها هو الذي يحمل همّ الفنان عموماً وهم شيخوخته وهم معضلة إهمال الدولة له ولحقوقه وعطاءاته الكثيرة وإنجازاته التي استغرقت حياةً بأكملها. وإلى جانب شخصيات المجتمع المضحكة التي يُجيد سلامة نقلها بجماليتها اليومية الشعبية، جملة واحدة تشكل خيطاً مسرحياً يتكرر في كل فصل من فصول المسرحية، جملة مضحكة تضفي على نص المسرحية المزيد من الطرافة والسخرية، فكل شخص يلتقي بالممثل لا يذكر منه إلا دوراً واحداً أداه، حتى وهو على شفير الموت يسأله الجميع: «مش حضرتك عشرة عبيد صغار؟» ومن لا يذكر كميل سلامة بدوره في مسلسل «عشرة عبيد صغار» الذي أخرجه ل «تلفزيون لبنان» الفنان الرائد انطوان ملتقى في السبعينات، فاختُصر وجوده الإنساني والتمثيلي في هذا الدور الذي لعبه، وهي حال الممثلين فما إن يبرع أحدهم بتأدية دور معين حتى يخسر اسمه ويصبح لمن يلتقيه الدور الذي أداه فقط. ولا بد من التوقف عند براعة فؤاد يمين الذي تمكن من دوره أيما تمكن، فهو بخفة ظله وطرافته وإتقانه للدور شكل أحد أبرز العناصر التي حببت المتفرج بالمسرحية وقربته منها، فجسد كميل سلامة في مختلف مراحله العمرية وإن لم يرد في نص المسرحية مرة واحدة اسم كميل سلامة بل كان دوماً يُشار إليه ب «الأستاذ عشرة عبيد صغار». أحكم يمين قبضته على دوره، ربما لأنه هو الآخر ممثل وبعض من شخصيته يشبه دوره في المسرحية، فبرع في تمثيله وتمكن من الإبقاء على اهتمام المتفرج به وتوهج بطرافته وجمال حضوره على المسرح. مسرحية «إنجازات حياة» لكميل سلامة، مسرحية طريفة ساخرة، فيها نقد اجتماعي مستوحى من عمق الحياة اللبنانية، فيها اتقان من ناحية التمثيل والموسيقى والديكور عدا عن النص الجميل الثاقب الذي يعرف متى يُضحك ومتى يترك المتفرج عاجزاً عن الكلام ومتى يصعق المشهد ويقلبه ويرسل عبره ألم ممثل لبناني أعطى وأنجز وتألم، ونال في النهاية «وساماً». ولا بد ختاماً من توجيه تحية الى كميل سلامة ممثلاً رائداً لا سيما في مسرح الكبير ريمون جبارة، وقد أطل ببراعته شاهداً وراوياً في المسرحية التي اتقن صناعتها.