باتت التحضيرات التي قامت بها وزارة الداخلية لإجراء انتخابات المجالس البلدية والاختيارية في شهر أيار (مايو) المقبل، واحداً من التحديات المطروحة على القادة السياسيين اللبنانيين الذين حبّذ معظمهم تمديد الاستحقاقات الانتخابية وتأجيلها، ليس فقط لتجديد البرلمان الجديد بعد انتهاء مدته منذ ربيع عام 2013 والتي مددت حتى عام 2017، بل حتى لملء الشغور النيابي بوفاة أحد النواب في منطقة جزين الجنوبية، فضلاً عن التمديد لعدد من القيادات العسكرية والأمنية. ويقوم التحدي على أن التمديد للبرلمان أثار قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، وأفرز هذا الخيار مزيداً من النقمة على أركان الطبقة السياسية، ومن الانسلاخ في شرائح اجتماعية عدة عن الولاء للزعامات، وهو ما ظهر في تحركات هيئات المجتمع المدني التي حصلت نهاية عام 2015 لمناسبة تفاقم أزمة النفايات التي لم تقتصر الاحتجاجات على أزمة تراكمها، بل تجاوزتها للمطالبة بتغيير الطاقم الحاكم، ولم يسلم أي من القادة من السخط الشعبي على الاستخفاف بحق المواطنين في اختيار من يمثلهم في الندوة البرلمانية، لا سيما بعد فشل القوى السياسية في التوصل إلى تسوية على إنهاء الشغور الرئاسي وما سببته الخلافات الكبيرة من شلل في المؤسسات الدستورية انعكست على الأوضاع المعيشية والحياتية. وإذ يتصرف وزير الداخلية نهاد المشنوق على أن القانون يوجب عليه إجراء الانتخابات البلدية ويقوم بجولته على القيادات السياسية والمراجع، حتى الروحية، من أجل إبلاغها أنه يحضر لهذا الاستحقاق الواجب الالتزام بمواعيده، فإن مواقف الفرقاء منه لم تكتمل بعد، في انتظار اكتمال لقاءات الوزير مع الزعامات كافة، وعلمت «الحياة» أن رئيس البرلمان نبيه بري أكد للمشنوق أنه مع إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، معتبراً أن لا بد من احترام موعد إجرائها. كما أن المشنوق حصل على تأييد زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، الذي كان أصلاً اعترض على التمديد للبرلمان وطعن به. وأفادت مصادر مطلعة بأن المشنوق طرح الأمر على كتلة «المستقبل» النيابية التي ينتمي إليها، والتي جاء موقف غالبيتها العظمى مع إجراء هذا الاستحقاق، فيما سأل البعض عما إذا كان يمكن إجراء هذه الانتخابات في ظل استمرار الشغور الرئاسي من جهة والشلل الحكومي من جهة ثانية. وينتظر أن يلتقي المشنوق، الذي يعتبر أنه لا يمكنه كوزير مسؤول عن المجالس البلدية وإجراء الانتخابات لتجديدها، أن يتجاوز هذا الاستحقاق، في الأيام المقبلة رؤساء أحزاب «الكتائب» النائب سامي الجميل والرئيس السابق أمين الجميل، حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وقيادة «حزب الله». وإلى أن تكتمل أجوبة القيادات السياسية الرسمية، فإن الأوساط التي تخشى من أن يلحق استحقاق الانتخابات البلدية باستحقاق الانتخابات النيابية، إذا كان «حزب الله» سيعتمد المبررات نفسها التي أملت عليه التأجيل، نظراً إلى انشغاله في المعارك التي يخوضها في سورية، لا سيما أن انخراطه في الحرب هناك توسع بدلاً من أن يتقلّص، وانتشاره ازداد بدلاً من أن يضمر، وخسائره البشرية تضاعفت مرات عدة هناك منذ عام 2013، حين أبلغ حلفاءه أنه يفضل ألا يخوض معارك انتخابية في وقت ينغمس في القتال على الأرض السورية. وأشارت هذه الأوساط الى أن بعض قيادات الحزب أخذت تردد منذ الآن أنه بغنى عن الانخراط في لعبة التنافس العائلي في القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية التي لا بد من أن تظهر في الانتخابات المحلية والتي تحتاج الى استنفار آلته الحزبية على نطاق واسع لمعالجتها وإدارتها، بينما الكثير من كوادره منشغل عن المناطق بإدارة القتال في سورية. وفي تقدير هذه الأوساط، أن الصراعات العائلية والمناطقية في الاستحقاق البلدي قد تربك الحزب، لا سيما إذا تمكن المعترضون على سياسته من استغلالها، وبالتالي قد يرى أن مصلحته تكمن في تأجيلها. وتذكّر هذه الأوساط بأنه قبل إجراء الانتخابات البلدية في لبنان عام 2010، كانت القيادة الإيرانية نصحت الحزب بتأجيلها تجنباً لبروز الصراعات العائلية أثناءها، لكن وزير الداخلية زياد بارود ورئيس الحكومة حينذاك زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري وفرقاء كثراً أصروا على إتمامها، وسمحت الإدارة المشتركة لها من الحزب والرئيس بري بتجاوز محاذير إجرائها على الحزب. إلا أن الأوساط نفسها تتساءل عما إذا كان الحزب قادراً على تحمّل التباين بينه وبين حليفه العماد عون كما حصل في تأييده تأجيل الانتخابات النيابية مرتين، وفي التمديد للقيادات العسكرية، إذا استمر عون على إصراره على إجراء الانتخابات البلدية المقبلة.