التقى الروائي السعودي عبده خال جمعاً من المثقفين اللبنانيين في لقاء نظمه النادي الثقافي العربي في بيروت وتحدث عن روايته «ترمي بشرر» الفائزة بجائزة «البوكر» العربية عن مساره كروائي وكاتب وعن القضايا التي أثارها في أعماله والحواجز التي واجهته في هذا المسار. وردّ على أسئلة طرحها بعض الحاضرين وناقشهم حولها. وقدّمت الرواية والروائي الناقدة اللبنانية رفيف رضا صيداوي في مداخلة رصينة وشاملة، وجاء فيها: «من أهم ما يميّز رواية «ترمي بشَرَر...» اعترافات الراوي الأساسي فيها المدعو «طارق فاضل». فهو يعرّي نفسه تماماً على نمط الاعتراف المسيحي الذي ينزع الفرد من خلاله عذابات النفس والضمير. اعترافات طارق فاضل تجاوزت أجواء بعض الروايات العربية والخليجية التي تفضح المستور والحكايا القابعة في زوايا المجتمعات العربية مكتسية أهميتها من هذا الفضح. فقد نأت اعترافات طارق في الرواية عن الفضائحية في المعنى المبتذل للكلمة لتنسج خطاباً قائماً على بوح وتعر خالصين لجلاد تجاوز الخمسين واستفاق باحثاً عن الإنسان فيه بعد أن نحاه جانباً سنوات طويلة. ومن خلال البوح والتعرّي تفضح الرواية بعض عيوب المجتمع ولكن عبر اطلالة نقدية راقية تستند الى أدوات السرد الفني بقدر استنادها الى أدوات التحليل الاجتماعي، من تشخيصٍ للوحدة المكانية وتحليلٍ لمكامن الخلل فيها، والوقوف عند جدلية العلاقة بين سلوكات الشخصيات الروائية وتلك الوحدة المكانية بكل أبعادها الفيزيقية والتاريخية والاجتماعية، وصولاً الى رسم مصائر الشخصيات المحددة بالمستوى النفسي الاجتماعي(...). والبوح والتعري اللذان أطل من خلالهما القارئ على رحلة الراوي الطويلة مع التيه والضياع، كشفت تفاصيل قاسية وقذرة حتى أقصى حدود القذارة. والراوي الجريء لم يتنصل للحظة من مسؤوليته ومن تورّطه الإرادي بكل ما اقترفه من موبئات. هو الذي علمته الحياة حكمة آمن بها حتى النهاية: «كل كائن يتخفى بقذارته، ويخرج منها مشيراً لقذارة الآخرين!». أما الحكمة الأخرى غير المعلنة، فهي أن الإنسان طيب بالطبيعة وأن المجتمع هو الذي أفسده. انها حكمة الأديب والفيلسوف جان جاك روسو التي تبناها عبده خال في أكثر من عمل روائي، ولكن لينتج خطاباً مناهضاً لكل أشكال السلطة القمعية، سواء كانت سياسية أم عائلية، أم اجتماعية عموماً، وذلك عبر تقاطع (أنا) الشخصية الروائية مع الهم الاجتماعي(...). في رواية «ترمي بشرر»، تقاطعت حكاية طارق مع حكايات غيره من الجلادين القادمين من حارة بسيطة ملاصقة للبحر في مدينة جدة، معروفة بالحفرة أو «جهنم»، يعتاش أهلها الفقراء من الصيد وغيره من الأعمال البسيطة، فيما واجه هذه الحارة الفقيرة قصر فخم بني ليحجب جانباً كبيراً من البحر ويغدو حلم الكثيرين من أهل الحارة وشبابها للانتقال اليه بوصفه الخلاص. فمارس القصر غوايته واستجاب من استجاب لهذا الإغواء ظناً منه بأن هذا القصر هو الخلاص من عبودية الفقر ومذلته. وبين قطبي الغنى الفاحش الذي رمز اليه القصر وأضواؤه وسيده وخدمه وحشمه من جهة، والحارة وبؤسها من جهة ثانية، كانت اعترافات طارق تكشف عن عبودية المال والجاه. وقد تجاوزت الرواية من خلال قالبها الفني ثنائية الغنى والفقر أو تضاربهما أو تنافرهما أو صراعهما، لتوغل في صراع باطني أساسه تخلي الإنسان عن انسانيته وتدحرجه الى المنزلة الحيوانية المفترسة وارتهانه للمادة».