العملية التي نفذها الشاب نشأت ملحم من فلسطينيي 48 في قلب تل ابيب، أعادت إلى الواجهة وضعية هؤلاء، بعدما شن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، حملة شعواء ضد قياداتهم واتهمهم بإثارة العنف والتحريض على إسرائيل... ليس صدفة أن تحريض نتانياهو، جاء بعد يومين فقط من مصادقة حكومته على ميزانيات لتنفيذ خطة خماسية، تقلص هوة التمييز العنصري الذي يعانيه المواطنون العرب بسبب السياسات العنصرية لحكومات إسرائيل. وبعد أن تعرضت هذه الخطة لانتقادات شديدة في أوساط اليمين، داخل الحكومة وخارجها، حاول وضع شروط على تنفيذها، ما يؤكد أن حكومته ما زالت مستمرة في سياسة الحكومات المتعاقبة التي تسعى إلى إبقاء فلسطينيي 48 كأقلية قومية يعانون التمييز والعنصرية ويواجهون سياسات متطرفة تهدف في نهاية المطاف إلى تيئيسهم وهجرتهم. لحظة إعلان نتانياهو عن مصادقة حكومته على ميزانية خاصة لفلسطينيي 48 ظهرت الصورة بعناوينها العريضة وكأنها مرحلة جديدة. لكن الأمر لم يتطلب الكثير من الوقت لكشف الحقيقة من حيث مضامين هذه الميزانية والشروط والعراقيل التي تضعها الحكومة لتحقيقها. وفي مركز هذه الشروط ربط تنفيذ العديد من بنودها بالخدمة المدنية أو العسكرية للشبان العرب، وهو أمر يدرك نتانياهو أنه مرفوض من قبل فلسطينيي 48 وأن ما صودق عليه من ميزانيات هو حق لهذه الاقلية، التي بقيت متمسكة بأرضها منذ النكبة ورفضت الهجرة والتهجير، وليست منّة يقدمها نتانياهو ووزراء حكومته. ومن دون الحاجة إلى التدقيق في ما تشمله هذه الخطة، فإن عملية تل ابيب أظهرت حقيقة سياسة نتانياهو ونواياه الحقيقية، التي تكمن في العديد من بنودها وشروط تنفيذها، وذلك عبر حملة التحريض التي أطلقها فور الإعلان عن ان منفذ عملية تل ابيب هو شاب من فلسطينيي 48، فشرع يخلط بين تأثير الاسلام المتطرف، على الشبان أمثال منفذ العملية وبين المواقف التي تتخذها قيادة فلسطينيي 48، واعتبرها نتانياهو مواقف محرضة على إسرائيل، بل وصل إلى أبعد من ذلك فاعتبر أن مليوناً وثمانمئة الف فلسطيني داخل الخط الاخضر يقيمون دولة داخل دولة. ولم يكتف نتانياهو بتوجيه اتهاماته عبر بيان أصدره، فور تنفيذ العملية، فقد بحث عن طريقة اعتقد انه من خلالها سينجح في إثارة مشاعر اليهود. اختار موقع العملية مكاناً لتصعيد حملته فتجول في المكان وراح يضيء الشموع وسط سهام غضب أطلقها باتجاه قيادة فلسطينيي 48. حملة التحريض التي يقودها نتانياهو على فلسطينيي 48 وقياداتهم ووجهت بصوت واحد رافض من جميع الاحزاب والتيارات السياسية والقيادات. فالحديث عن إقامة دولة داخل دولة وبلورة خطة لمواجهة من أسماهم رافضي القانون من بين هذه الشريحة الفلسطينية، وسيلة فاشلة لم ينجح من خلالها في إبعاد الأنظار عن حقيقة سياسته الرافضة للسلام والداعمة لتحريض المستوطنين واليمين ضد الفلسطينيين. وكما وصفت لجنة متابعة قضايا الجماهير العربية نتانياهو فهو من جعل من التحريض أيديولوجيا من أجل الدفع بأهدافه السياسية. وهو من يواصل سياسة دولة الاحتلال وإقامة دولة للمستوطنين على الأراضي الفلسطينية واخرى للمتطرفين، الذين يطلقون على انفسهم «تدفيع الثمن»، وهو من وقف من خلف كل القوانين العنصرية والمناهضة للديموقراطية، وإقامة دولة الأغنياء ودعَمها. ونتانياهو نفسه هو الذي أغلق باب طريق السلام والمساواة الحقيقية». وأوضحت اللجنة انها اختارت طريق نضال سياسي وديموقراطي ثابت ودائم، منذ قيام إسرائيل، على رغم سياسة الاضطهاد والتمييز التي اتخذتها المؤسسة الحاكمة في إسرائيل منذ عشرات السنين، وتم تطبيقها على كافة مجالات الحياة: مصادرة الأراضي، سلب الحقوق، إقصاء عن مجال المساواة وعن مجال الديموقراطية، وضرب متواصل لحرية التعبير وحرية التنظيم للجماهير العربية، وتغاضي لا يطاق عن الجرائم المتنوعة التي ارتكبت ضد الجماهير العربية، والتنكر كلياً لمبادئ العدالة والسلام، وتمييز متواصل ومستفحل، إلى درجة خلق مجتمعين: مجتمع الأغنياء، ومجتمع الفقراء، الذي هو بغالبيته الساحقة من المواطنين العرب. الخدمة المدنية والعسكرية يبدو من اليوم أن المعركة التي سيخوضها فلسطينيو 48، لن تكون أسهل من معاركهم السابقة ولا تقتصر على نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم ومساواتهم وتنفيذ الخطة بحذافيرها، من دون شروط، فقد بدأت تخرج الأصوات اليمينية الداعمة لنتانياهو والمحرضة على الفلسطينيين. وفي تحريض سافر لأحد ابرز الشخصيات القانونية اليمينية، حاييم شاين، طالب الأخير الفلسطينيين بأن يقرروا اذا هم إسرائيليون ام فلسطينيون. فوفقه «لا يمكن اختيار الرواية الفلسطينية لإقامة دولة مكان دولة إسرائيل، وفي الوقت نفسه التوقع من مواطني الدولة تحويل بلايين الشواقل من اجل تطوير الجمهور العربي، الذي يشكل منتخبوه رأس حربة في التحريض ضد امن الدولة»، ويتابع تحريضه ليشمل أيضاً اليسار الإسرائيلي فقال: «آن الأوان كي يستوعب اليسار الإسرائيلي أنه اجتمع في إسرائيل رجال ونساء حكماء جداً، وليسوا على استعداد ليكونوا حمقى ودفع ثمن السذاجة. لقد ولى عهد الهوس والاوهام، ولن يقع التعايش المشترك أبداً مع من يدعو إلى التعايش المنفرد». وأضاف شاين «اعتقدنا انه اذا تم تطوير جهاز التعليم في الوسط العربي، وتم توفير العمل، فلن تكون لديهم مصلحة في الانشغال في الارهاب، وسرعان ما اتضح، خلال موجة الارهاب الحالية، أن الفلسطينيين والعرب في الداخل الذين قرروا اختيار طريق الارهاب، يأتون من عائلات راسخة، بما في ذلك طلبة جامعات». وزاد شاين إلى شروط الحكومة، لتنفيذ خطة الميزانيات، دعوة الفلسطينيين إلى الاختيار بين كونهم فلسطينيين ام إسرائيليين قائلاً: «من المهم جداً ان نعرف ما هو قرارهم. هم فلسطينيون ام إسرائيليون وإلى ان يتم توضيح هذه الحقيقة الأساسية، من حق رئيس الحكومة اشتراط تحويل الاموال إلى الوسط العربي في شكل مدروس ومسؤول، وإلا سنكون كالحيتان التي تسارع إلى الشاطئ لكي تنتحر». في هذه الأثناء، بدأ فلسطينيو 48 يعدون لمواجهة هذه الحملة. وتحت عنوان: حان الوقت ليتوقف نتانياهو وحكومته عن التحريض على الجماهير العربية والنفخ بنار الحقد والكراهية، حذرت «سيكوي»، الجمعية الداعمة للمساواة المدنية في إسرائيل، من أي محاولة حكومية للمس بالخطة الخماسية ودعت إلى رفع صوت واحد ووحيد وهو رفض اشتراط تنفيذ الخطة وعرقلتها مشددة على ان «هذه الخطة لا توفر للمجتمع العربي احتياجاته كاملة بل انه يحتاج إلى أوسع وأعمق. وأضافت الجمعية في بيان لها «هذه التحركات السلبية لن تجعلنا نرفع أيدينا وسنواصل مع شركاء إضافيين في المجتمع المدني وقيادة الجمهور العربي، العمل بكل حزم وبكل الأدوات المهنية والجماهيرية القائمة، من أجل ضمان تنفيذ هذه الخطة المهمة والتي وضعتها الطواقم المهنية والمتخصصة وحظيت بمصادقة من قبل الحكومة، لتساهم بتقليص الفجوات ومساواة الحقوق التي يستحقها فلسطينيو 48، في المجالات التي تطرقت لها الخطة».