صدر عن مركز «المحروسة» للنشر والخدمات الصحافية بالقاهرة ديوان جديد للشاعر المصري السيد الجزايرلي عنوانه «مِسْكُ الغيابْ»، ويقع في 130 صفحة من القطع المتوسط، ويتناول الشاعر في هذا الديوان مجموعة من القضايا الإنسانية والفلسفية ذات العلاقة المباشرة بالواقع العربي، ومن خلال رؤيته الشعرية التي تعوِّل كثيراً على النزعة النقدية والأسئلة الكاشفة، يضعنا الجزايرلي أمام نسيج شعري يتشابك مع الأحداث الراهنة، ولكنه يبحث دائماً عن جذورها المرجعية في التراث العربي والإسلامي، فالشاعر يبدأ تجربته في هذا الديوان بتوظيف قصة الخلق البشري في قصيدة «الفخَّار»، التي يقول فيها: «من سيرةِ الصلصالِ/ تنتفضُ الحقيقةُ في الجسدْ/ من سيرةِ الصلصالِ/ تَخرجُ في المساءِ هُويَّتي/ تتعلَّم ُالأسماءَ حرفاً تِلْوَ حرفٍ/ تستوي بَعْد َالرُّفاتِ سُلالة/ للكائنِ المخلوقِ من طينِ السؤالْ» ثم يرصد تحولاتها من خلال أكثر من قصيدة في الديوان، ليقدم رؤية فلسفية لفكرة الغواية ورحلة خروج الكائن البشري من الجنة حاملاً إرث الخطيئة بكل ما تختزن من مدلولات، وبكل ما يترتب عليها من تحولات. وهكذا من خلال قصائد الديوان، التي يتناول فيها الشاعر مواضيع، مثل: «الغواية، والغربة، والغريزة، والهزيمة، واليقين»، يعود الجزايرلي بالقارئ إلى جذور تلك القضايا الإنسانية عبر استدعاء سياقها التاريخي الذي يربط وقائع الماضي بنتائج الحاضر، وكأنه يقدم صورة متعددة الزوايا لقضية التراجع العربي والإسلامي في ظل تصاعد الصراعات السياسية والدينية والجغرافية التي تسود المنطقة وتجعل من أرض الأنبياء خريطة للدماء، فيقول في قصيدة «الغريزة»: «قتلتْ براءَتَنَا الغريزةُ/ والخرافةُ/ رمَّمتْ ليل َالمدينةِ بالكلامْ/ نحن ُالملوك ُالخاسرينَ المُجْبرينَ/ على وداعِ الأندلسْ/ نحنُ الطوائفُ، والطوائفُ/ قد أضاعتْ مجدَنا من ألف عامْ». وفي قصيدة أخرى بعنوان «الهزيمة» يقول: «يا سيفي َالمصلوبَ/ في ليلِ المتاحفِ والقصورْ/ زمنُ الفتوحاتِ انتهى/ مُذْ علَّقوكَ تميمة فوقَ الجدارِ/فَكُنْ جديراً بالظلامِ/ وكُنْ رحيماً بالصدأْ»