"لا تغسلوا وجهَ الرصيفِ بما أَرَقْتُمْ من دمي فَدَمِي سَيَصْرُخُ كلَّما عرَّتْ تفاصيلُ الجنازةِ مأْتمي ولسوفَ يصرخُ كلَّما عضَّ السكونُ على فمي." بهذا المقطع المعبر بصورةٍ موجعة عن واقع الحال في مصر، يقدم الشاعر السيد الجزايرلي ديوانه الجديد "أبجديَّةُ الوجعْ"، الصادر عن دار "الأدهم" للنشر والتوزيع بالقاهرة، وفي هذا الجزء من الديوان الذي يتكون من جزأين يطرح الشاعر تجربة مختلفة يحاول من خلالها استثمار وتوظيف الطاقات الدلالية التي تختزنها الحروف العربية وبعض مفرداتها التي تركت أثرًا موجعاً في وجدان الإنسان العربي، حيث يفتتح الشاعر كل قصيدة بحرفٍ واحدٍ من إحدى المفردات التي تحيل بطبيعة تكوينها اللغوي إلى قضية بعينها، فحينما يستخدم "حرف الشين" تكون القصيدة "شين الشهيد"، ويصبح "الشهيد" موضوعًا للقصيدة، وكذلك في كل قصائد الديوان الذي تبدأ قصائده بعناوين مثل:" كافُ التكوين، حاءُ الحربِ، راءُ الرؤى، جيمُ الجنازةِ، باءُ البلادِ، واو الوداعِ" وهكذا إلى نهاية الديوان الذي حرص الشاعر على أن تكون جميع قصائده على بحر واحد هو بحر "الكامل" ليحقق بذلك الوحدة الإيقاعية/العروضية التي يرى أنها تتوافق مع وحدة الفكرة التي يقوم عليها الديوان مستلهمًا فيها مراحل التحول التي مرت بها الثورة المصرية منذ 25 يناير وحتى الوقت الراهن، حيث يسعى السيد الجزايرلي عبر هذه التجربة إلى تقديم قراءة شعرية في حال الثورة المصرية على نحو خاص من دون أن يفصلها عن أحوال الثورات العربية الأخرى، ويقول الشاعر في قصيدة "شينُ الشهيد": "شينُ الشهيدِ شهادةٌ.. لا تشْتَهي صمتَ الجدارْ موُّالُ ليلٍ حالكٍ جابَ القُرَى وتعلَّمَ الأحزانَ من عجزِ النهارْ."