أسلخ جلد البطريق بأظافري الملوثة وأكتم رقة القلب فلا ترى عذابه ولا تحن إلى توجعه. وبالقسوة نفسها أضيف بعض الملح الأبيض والفلفل الأسود فوق لحمه اللذيذ وأبدأ في النهش بمتعة لا توصف وأنا أمضغ جسد الطائر الحي فيتلوى وينكمش ويذوب ودماؤه تنتشر على كنبة الصالون المُذهَب. وبين نهشه وانتفاضه تنظر عينيه إلى داخلي فتتناسخ روحه بين ضلوعي ويصير واحداً فيَّ وأنا فيه. الراهب جرجس البجشوني بالجلباب الخشن الأسود الطويل، والكاهن الرافع يديه إلى السماء بالثوب الحريري الأبيض. بطريق في ثلج الزمن ثقيل ولا يطير. يرتعش باستمرار بحثاً عن حل رمادي لا يأتي أبداً. وشمس البر مطرودة من أرضه. هكذا وضعتُ نفسي بين خطين في تابوت من البرودة. بعد أن هاجرت منعني جبني وخوفي من نار الآخرة عن الانتحار. كنت قد قرأت عن الرهبان والموت عن العالم. وسيطرت الفكرة على كياني، فأنا لن أحب بعد مريم وهذه هي البتولية في عرفي وهذا موت سهل المنال. دخلت الدير. راهب عجوز يدعى برسوم حملت حياته على ذراعي وكنت أنظفه من البراز والعته. فهذا هو الاختبار للدخول إلى عالم الموتى الأحياء وبالفعل. اقتنع بي رئيس الدير الأنبا يونان ودعاني في إحدى الأمسيات إلى كنيسة العذراء الأثرية في الدير القديم ورقدت أمام الهيكل حيث غطَّاني بسِترٍ أحمر بالٍ وبطقسٍ محفوظ من آلاف السنين وقرأ فوقي صلاة الراقدين التي لم أسمع منها كلمة واحدة، فكنت في حالة التهاب عاشق لمريم المغزولة من نار لحمية مع القليل من الطبائع البشرية المتكررة. وأخذت في سري أردد محاور شجاعتي. كنت قد وعدتها بالموت إذا تركتني وها أنا ذا أفعل. كل شيء جاهز. أنا راقد والستارة كفن والأسقف يصلي ويطلب لي الرحمة والتغاضي عن جهالاتي وخطاياي. ولكن انتهت المراسم والكلمات ونفضوا عني الستار، فقلت ما هذه الخدعة التي لن تقنع أهدابها الساحرة بل سوف تشبعني سخرية لاذعة. لقد غيروا اسمي من نبيل إلى جرجس، ونسبوني إلى الدير بدلاً من اسم ابي. ولكن أنا حي. يبدو أن سر الحياة الذي أعطتني إياه في قبلة شهوانية تحت بئر السلم أقوى من ادعاء الموت. يقتلني التناقض؛ «أنت ميت ولك اسم حي». هذا هو الجزء الأسود في جسد البطريق الضعيف المبلول بالحب دائماً. أما البطن البيضاء كلبن الحليب؛ مفارق الطريق إلى نهديها ونعومة الشهد المتجدد في لمسة يديها النقية. كان يوم اختياري كاهناً للخدمة وإقامة الصلاة في كنيسة أبي سيفين في مقر الدير. بعد انتهاء القداس أخبروني بوجود رحلة على متنها عدد من أقباط المهجر والإشارة هدفها مزيد من الاهتمام وقص الكثير من العجائب والبركات والمعجزات مع الكرم في منح زيوت البركة وحنوط القديسين للحصول على محصول تبرعات خضراء. واستقبلت الرحلة لأجدها بين الزوار. عيناها نزعتا عني الثوبين وفوق كنبة الصالون الذهبي سكبت مزيداً من التوابل والبهارات واشتركت معي في أكل لحم البطريق الحي الذي أخذ يصيح بصوتٍ مبحوح مكسور «كيريالصون... يا رب إرحم، يا رب إرحم».