«المصري اللي على حق يقول للحمة لأ»، لم تعد مجرد دعابة يطلقها الساخرون من حملات الدعاية الحكومية لتحفيز المواطنين على التصرف بإيجابية تجاه ما يرونه من أخطاء، بل أصبحت حملة لمقاطعة اللحوم الحمراء نادت بها الجماعات الشعبية والمجموعات العنكبوتية وحازت إعجاب الحكومة، أو ربما جاءت مناسبة لسياساتها ومواتية لخططها. شعارات لا أول لها ولا آخر عمت أرجاء مصر الواقعية والافتراضية منذ الخميس الماضي، وهو اليوم الذي شهد إطلاق حملة مقاطعة اللحوم بعد ما كسرت حاجز ال60 جنيهاً للكيلوغرام الواحد في قفزة جنونية غير مسبوقة. «حاربوا الغلاء بالإستغناء» و»لا لحمة بعد اليوم» و»المجد للكوسة والوأد للحمة» وكل ما يتم إطلاقه من شعارات كلما جن جنون اللحم، وجدت هذه المرة آذاناً صاغية وهمماً مستنفرة، والأهم من هذا وذاك، جيوباً خاوية، وهو ما جعل الدعوة للمقاطعة أشبه بطوق النجاة لكثيرين. فاللحوم الحمراء التي تحتل مكانة متميزة على قمة ما تميل إليه أذواق المصريين، وليس بالضرورة ميزانياتهم، ظلت على مدى سنوات طويلة تنفرد لنفسها بقرار أسعارها بعيداً من أيدي الجهات الرقابية. فقبل ما يزيد على ثلاثة عقود، وتحديداً في العام 1977 هاج المصريون وماجوا وخرجوا في تظاهرات صاخبة سموها «تظاهرات الخبز» وتعامل معها النظام باعتبارها «انتفاضة الحرامية» منددين بزيادة سعر الكيلوغرام ليتعدى حاجز الجنيه. الطريف أن تخطي كيلوغرام اللحم حاجز ال70 جنيهاً في العام العاشر من الألفية الثالثة أدى إلى ما لم يخطر على بال، ألا وهو اتفاق نادر بين الشعب والحكومة في مقاطعته. هذه المقاطعة التي تعد الأوسع والأكبر منذ قررت مجموعة من سيدات المجتمع الراقي في حي المعادي (جنوبالقاهرة) مقاطعة اللحم في أواخر الثمانينات بعدما وصل سعره الى عشرة جنيهات. وفيما كانت الحملات السابقة قاصرة على مجموعات بعينها من المواطنين، تشمل الحملة الحالية والمقرر لها أن تستمر حتى آخر نيسان (أبريل) الجاري الجميع، بدءاً بالحكومة، ومروراً بالمواطنين، وانتهاء بالبعض في شعبة الجزارين وإن اقتصرت مطالبات الأخيرة على ترشيد استهلاك اللحوم. ووصل الأمر إلى درجة مناشدة وزير الزراعة أمين أباظة المصريين بالامتناع عن شراء اللحوم، والاتجاه إلى البدائل لمواجهة جشع التجار وأصحاب المزارع الذين أشعلوا الأسعار بلا مبرر. الغريب أن السبب الحقيقي للارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم مجهول. فالحكومة تتهم التجار بالمبالغة في رفعها بدون داع، والمواطنون يتهمون الحكومة بغض الطرف عن هذا الارتفاع الذي يقفز بلا ضابط أو رابط، والجزارون والتجار يؤكدون أن السبب الحقيقي تقلص حجم الثروة الحيوانية في مصر. إلا أن انشغال الجميع بكيل الاتهامات للآخرين لم يثن العزائم والهمم عن الانخراط في المقاطعة التي وحدت الصفوف غير القابلة للتوحد. وفي اطار حملة المقاطعة، ستكون مطاعم مصر منزوعة اللحم يوم 26 الجاري. ويتوقع أن تتراوح خسارة الجزارين في ذلك اليوم بين 400 ألف و600 ألف كيلو لحم، إذ أن متوسط استهلاك المطعم السياحي اليومي من اللحم يبلغ 400 كيلوغرام، ويصل في بعضها إلى ألف كيلوغرام. لكن أخباراً طيبة بدأت تتوافد من جهة البحر الأحمر، حيث بدأت شحنات العجول الحية تصل من أثيوبيا، وهي الشحنات التي تطلبت زيارات رسمية مصرية عدة الى اديس ابابا للاتفاق على هذه الرؤوس الحيوانية التي ستسعد حتماً معدات المصريين بدون تحميل جيوبهم ما لا طاقة لها به، اذ يتوقع ان لا يزيد سعر الكيلوغرام عن 30 جنيهاً.