سكان جدة محظوظون، فازوا بلقب «الخاسر الأكبر» في معركة الشد والجذب التي تخوضها الأمانة وموظفو برنامج مكافحة حمى الضنك. وحسن حظ الجداويين يكمن في يأسهم، اليأس من الأمانة وحلولها، على الأقل في اليأس راحة ما، ولحسن حظهم أيضاً أن هذه الراحة لن يعكرها أمل يبعثه المجلس البلدي في المحافظة. أما جدة فمسرح استثنائي. أرض غريبة لمعركة أغرب، طرفاها جهة حكومية وموظفوها، والخاسر الأكبر فيها مواطن لا شأن له بها، والعدو الوحيد للجميع ولا يلتفت له أحد وهو المنتصر الوحيد «حشرة» تحمل سلاح «الضنك»، ولا عزاء سوى اليأس من خروج هذه المسرحية الهزلية بنتيجة منطقية واضحة مفيدة. في بعض فصول المسرحية (المعركة)، يتوقف موظفو برنامج مكافحة حمى الضنك عن العمل ويتجمعون للمطالبة بحقوقهم المهدرة، ورواتبهم التي لم تصرف، فتطلق أمانة جدة وعداً جازماً محدداً بإنهاء مشكلتهم، لكن البعوض لا يضع يده على قلبه خوفاً ولا يرتعد، وتؤكد الأيام صدق حدس البعوض، إذ سرعان ما يعود الموظفون للشكوى ثانية، وتنكث الوعود علناً من دون حياء. في فصل آخر أكثر سخرية، يصاب أحد موظفي برنامج مكافحة الضنك بالحمى نفسها، خلال مشاركته في حملة «الطوارئ» التي تنفذها أمانة محافظة جدة للقضاء على المرض، فيدخل إلى مستشفى الملك فهد في جدة لتلقي العلاج اللازم. ربما لو تعلم الموظف إستراتيجية «اليأس» لما أصيب بالمرض!. في كل فصول المعركة (المسرحية)، لا يسأل الجداويون عن المجلس البلدي لمحافظة جدة، هو منحهم راحة اليأس على الأقل، فلا ينبغي إقلاق أعضائه. ولا يسألون عن 1.250 بليون ريال خصصت لبرنامج لا يصرف رواتب موظفيه! ولا عن الصحة، فهي تمارس دورها الكامل في عد حالات الإصابة والوفاة بالمرض. قنعوا براحة اليأس. وإذا كانت هذه الحال المحيرة فاليأس هو الخلاص الأخير لسكان جدة، بحسب الشاب أحمد الغامدي الذي يسكن حي السنابل (جنوبجدة)، مؤكداً أنه لم يعد ينتظر حلاً من الآخرين خصوصاً بعد كارثة جدة، وبات يعتمد على حرصه الشخصي وعنايته واهتمامه بأسرته وأطفاله. أما رب الأسرة الثلاثيني أبو صالح الذي يسكن أيضاً في جنوب المحافظة، فإنه آمن بأن مشكلات جدة مستعصية الحل في الوضع الراهن. ويقول: «إذا وصل الأمر للضحك على موظفي برنامج مكافحة الضنك وعدم تسلمهم حقوقهم، فالمعركة محسومة لمصلحة البعوض بالتأكيد». ليس من داع لإقلاق المجلس البلدي بمشكلات سكان جدة، ولا إشغال صحة جدة عن مهمة «العد» المستحيلة، كما يتعذر الوصول لمسؤول ملف حمى الضنك في محافظة جدة لأنه في إجازة حالياً، ولأنه «على الصامت» دائماً، حتى وبعض موظفيه يتهم باختلاس مبالغ تصل إلى مئات الملايين، والمركز الإعلامي للأمانة لم يعد يجيب عن الاتصالات الهاتفية، وربما أصابه حظ اليأس، كالجداويين، من جدوى بيانات النفي والتبرير.