فتحت مصر مرحلةً جديدة من الصراع على المياه، بين دول المنبع ودول المصب، فضلاً عن دول العبور. صراعٌ يحتمل أن يطبع القرن الحادي والعشرين، إذا لم تتفق الدول الأعضاء في هيئة الأممالمتحدة على معايير دولية ملزمة لاقتسام المياه المشتركة وأحواضها العابرة للحدود. ودخلت الخلافات بين دول حوض النيل «على تقسيم مياه النهر الأطول في العالم، مرحلة المواجهة، بعد فشل جولة ثالثة من المفاوضات في ما بينها في منتجع شرم الشيخ المصري، وأعلنت دول المنبع السبع الأسبوع الماضي، أنها ستوقع اتفاقاً لإطار يتجاهل دولتي المصب مصر والسودان ويقلص حصتيهما من المياه، لكن القاهرة هدّدت ب «الرد بقوة» على أي خطوة تمس «حقوقها التاريخية». وتتمسك دول المنبع السبع بتقليص حصة مصر في الاتفاق الجديد بعد انتهاء مدة الاتفاق الذي وقعته بريطانيا مع القاهرة، نيابة عن هذه الدول عام 1929 و يكفل لها 55.5 بليون متر مكعب، أي أكثر من نصف مياه النيل، إضافة إلى حق الاعتراض على أي مشاريع مائية في دول المنبع. وتصر مصر حالياً مدعومة من السودان، على الاحتفاظ بحصتها وجعل الموافقة على المشاريع المائية بالإجماع». حالة مصر ليست الوحيدة في العالم، ففي نطاق ندرة المياه التي لا تتوقف عن التوسع والازدياد، بتأثير مزدوج من النمو الديموغرافي والتغيّر المناخي، يُخشى أن تتكاثر الحروب بسبب المياه وتتم معالجة اقتسامها او وضع اليد عليها بالقوة. وبات اقتسام المياه المشتركة بين الدول والعابرة للحدود، يشكل حالة ضغطٍ، واعتبرت إدارة هذه المياه ومواردها إحدى نقاط الخلاف في آخر منتدى عالمي للمياه عقد في اسطنبول في آذار (مارس) 2009. فالاعتراف ب «حق المياه» ناقشته الدول المشتركة في منتدى اسطنبول ك «باكورة لإلتزام يقدم إلى الدول المحرومة». ويشكل اقتسام الموارد المائية المشتركة التحدي الأكبر للدول المنتفعة، إذ يوجد في العالم 260 حوض ماءٍ تتقاسمها دولتان وأكثر. ويعيش في مناطقها 40 في المئة من سكان العالم. وتوجد أيضاً مئات الأحواض الجوفية المشتركة. ومن الأمثلة الصارخة أن 14 دولة تتقاسم نهر الدانوب الأوروبي، و11 دولة تشترك في مياه نهري النيل والنيجر، و9 دول تشترك في الأمازون، وثلاث دول في نهري دجلة والفرات ومثلها لنهر الأردن. وتتحكم الندرة الظرفية أو البنيوية في مناطق كثيرة أهمها دول حوض البحر المتوسط، الشرق الأوسط، شمال الصين، آسيا الجنوبية وجنوب غربي الولاياتالمتحدة، بحيث تتفاقم المنافسة بين المستعملين. ويتسبب الاقتسام غير العادل لكميات المياه بضغوطات سياسية حتى الآن، كما الحال بين تركيا والعراق، إسرائيل والمناطق المحتلة ومصر والسودان ودول منبع النيل. وتنقل «لوموند» الفرنسية، في عدد خاص بعنوان «الموازنة الجيوستراتيجية» لعام 2010، أن مؤسسة البحوث الأميركية «باسيفيك أنستوتيوت» تُحصي عشرات النزاعات بسبب المياه منذ 2500 قبل الميلاد. وتتوقع أن تتضاعف بقدر ما تتعاظم الحاجة إلى تغذية المدن والصناعات وتنمية الإنتاج الكهربائي المائي وتوسيع الري الزراعي». ويعتبر آخرون في المقابل، أن المياه كانت عنصراً للتعاون بين الدول وتستمر في هذا الاتجاه. وأحصت جامع «اوريغان» الأميركية، من دون احتساب الاتفاقات المخصصة للملاحة، 145 معاهدة عالمية في هذا الموضوع ورأت «أن الحاجة إلى المياه لم تتسبب بحربٍ أبداً» « كما يقول رئيس المجلس العالمي للمياه لويك فوشون، على رغم استخدام القوة احياناً ضد دول المنبع (إسرائيل) أو ضد دول المصب (تركيا). فالمياه كما يؤكد باحثون في «لندن سكول أوف إيكونوميك اند بوليتيكل» متخصصون في الموضوع، « لم تكن دافعاً وحيداً للنزاعات المسلحة، بل تُحدّد السياسة المتعلقة بالمياه دائماً، من ضمن معطيات أكثر اتساعاً». فالضغوط بين الدول تتميّز غالباً، بحسب قولهم، بعداء كامن، أو بعلاقات مليئة بالنزاعات أو بغياب التعاون الظرفي. ويتحكم سوء العدالة في اقتسام المياه قياساً إلى قوّة كلٍّ من المنتفعين منها. ففي معظم الأوقات يقول البروفسور في «كينغز كوليج لندن» طوني الن، يوجد عدم انسجام بين بعض الدول المشاركة او عدم تعادل في القوة، بعضها ضعيف وبعضها قوي. والضعيفةُ هي صاحبة النزف المائي. وتتمثّلُ الحالة الأشهر بإسرائيل التي تحبس المياه وتنتفع بها على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض. ويبلغ مستوى استهلاك الفلسطيني الواحد في الأرض المحتلة 75 ليتراً من المياه يومياً في مقابل 300 ليتر للإسرائيلي ومئة ليتر المتوسط العالمي الأدنى بحسب منظمة الصحة العالمية. ولا تتوقف النزاعات على اقتسام المياه عند هذا المستوى، بل يُدرج عالم المياه جان مارغات، إنشاء السدود من ضمن أسباب النزاعات على المياه، لأن السدود تعطّل نظام الأنهر نحو المصب فتنخفض كمية المياه الجارية. وبات استثمار المياه الجوفية يطرح مشكلات بخاصة « أنها مصادر غير مرئية يمكن أن يستهلكها آلاف المستثمرين من دون ان يشعر آخرون بهم». وضخ المياه على جهة من الحدود يؤثّر في مستوى المياه في الجهة الأخرى. فالاستغلال المفرط للمياه الجوفية داخل الحدود التركية تسبب باستنزاف الموارد المائية السورية. امام هذه الإشكاليات، لا سيّما بين دولٍ لم تعرف الصدامات سابقاً، لكن قد تصعّدها قضية ندرة المياه، كل شيء يقود إلى ضرورة تعزيز التعاون لتفادي تطور النزاعات، والسعي بجهودٍ عالمية إلى مكافحة الجفاف وتقليص التلوث، بخاصةٍ أن التنافس يقود غالباً إلى الاستغلال المفرط للمياه وإلى تهديم النظام البيئي المائي. فمن أصل 260 حوضاً مائياً مشتركاً هناك 157 لا يتمتع بأي إطار تعاوني. وعندما يوجد إطارٌ للتعاون فإنه يشبه أصدافاً فارغة. وفي النهاية لا بد من تحديد قواعد للحؤول دون حصول صراعات مميتة لاقتسام المياه، لكن الموضوع لا يتقدم. ففي 1997 وضعت معاهدة عالمية لاقتسام المياه لكنها لم تنفذ نظراً لأن الموقعين عليها قلة.