لبنان 1924 ليس ذاته لبنان 2014. كلّ شيء تبدّل، إذ مرّت البلاد بأزمات كثيرة وحقبات سياسية عدة، ونجت من مشاكل كبرى. وعلى رغم كلّ التبدّلات، مازالت صحيفة «لوريان لو جور» اللبنانية الناطقة باللغة الفرنسية مستمرة في مسيرتها، وهي تواكب مختلف الحوادث وتغطيها، سلبية كانت أو إيجابية. 90 سنة مرّت وما زالت الصحيفة الفرنسية الوحيدة التي تصدر في لبنان، وهي تستقطب القرّاء الفرنكوفونيين محلّياً وعالمياً، وتحاكيهم انطلاقاً من القيم التي تأسست عليها الصحيفة، كالدعوة إلى الدولة المدنية وسيادة القانون وحرية الرأي والتعبير. لمحة تاريخية حملت صحيفة «لوريان لو جور» هذا الاسم في العام 1971، من خلال الاندماج بين صحيفتين كانتا تتمتّعان بمكانة كبرى في عهد الانتداب الفرنسي للبنان، وهما «لوريان» التي أسسها في بيروت عام 1924 كلٌ من جورج نقّاش وغابرييل خبّاز، وصحيفة «لو جور» التي كانت انطلقت في العام 1934 على يد المفّكر السياسي اللبناني ميشال شيحا. وكانت الصحيفتان على «عداء» سياسي كبير، تجلّى مثلاً في دعم «لوريان» نهج رئيس الجمهورية فؤاد شهاب، فيما وقفت «لو جور» إلى جانب كميل شمعون في أواخر الخمسينات من القرن الماضي. وفي كلّ مرحلة سياسية جديدة يعيشها لبنان، كانت الصحيفتان تعيشان صراعات فكرية. وعلى رغم ذلك، فإنّ الصعوبات المالية دفعتهما إلى الاندماج في أوائل السبعينات، لتولد صحيفة «لوريان لو جور» التي اضطرت إلى التوقّف عن الصدور مدة أسبوعين في العام 1982، إبان الاجتياح الاسرائيلي لبيروت وتعرض مركز الصحيفة للقصف. ومنذ ذلك الحين تصدر الصحيفة يومياً لتعكس القيم التي لطالما طالب بها مؤسسوها، كالحرية والديموقراطية. وكانت «لوريان لو جور» منبراً لكثير من الكتّاب والصحافيين الذين وجدوا فيها وسيلة مهمّة للتوجّه إلى القرّاء الفرنكوفونيين. موقع الصحيفة اليوم توزّع صحيفة «لوريان لو جور» اليوم نحو 18 ألف نسخة يومياً. وبالتالي، فإنها «تنافس الصحف الناطقة باللغة العربية وتحجز لنفسها الموقع الثالث بين الصحف المحلية من ناحية التوزيع»، وفق القائمين على الجريدة. والسؤال الذي يُطرَح هنا، هو التالي: بعد تسعين سنة من الصدور، ماذا تبدّل في الصحيفة؟ وما هي التحديات الجديدة التي تواجهها؟ يؤكد رئيس تحرير «لوريان لو جور» نجيب عون أنّ الفرنكوفونية ما زالت متجذّرة في لبنان وخارجه، ما يجعل جريدة «لوريان لو جور» مرجعية بالنسبة إلى كلّ القرّاء الفرنكوفونيين. فمن يقرأ باللغة الفرنسية ما زال مواظباً على ذلك، وفق عون، فيما من يقرأ باللغة الإنكليزية يطلّع أيضاً على الصحف العربية. وبالنسبة إلى طاقم العمل، يلفت عون إلى وجود بعض التحدّيات تكمن في إيجاد شباب يتمتّعون بالمهارات اللغوية الفرنسية، لكن يبقى هناك دائماً بعض الصحافيين الشباب القادرين على حمل الشعلة والاستمرار بها، كما فعل من سبقوهم. أمّا لجهة المنافسة بين الصحف الورقية والإنترنت وتأثيرها في «لوريان لو جور»، يعترف عون بأنّ الأمر يشكل تحدٍّياً جديداً يواجه فريق العمل، وذلك عبر مواكبة التطوّر التكنولوجي والتفاعل مع الجمهور من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. ولكنّه يشير أيضاً إلى أنّ تميّز الصحيفة يكون في نشر التحليلات والتحقيقات المتعمّقة التي تميّزها عن المواقع الإلكترونية. أرشيف الصحيفة لا شك في أن مواكبة الصحيفة التطوّر التكنولوجي يدفعها إلى التطلّع نحو الأمام، ولكنّ إرثها هو أيضاً غنى كبير وذو قيمة ثقافية عالية. ولهذا السبب، أعطت الصحيفة قرّاءها فرصة لاكتشاف أرشيفها عبر صفحة مخصّصة لهذا الهدف عبر موقع «فايسبوك»، تحت اسم Les 90 ans de L'Orient Le Jour، وذلك احتفالاً بالذكرى التسعين لصدورها. ووجدت الخطوة الأخيرة تجاوباً من القراء الذين تفاعلوا كثيراً وعلى نطاق واسع مع هذه الصفحة التي حملت لهم، في كثير من الأحيان، ذكريات جميلة كانت غابت عن بالهم. إلى ذلك، يعيش طاقم العمل في الصحيفة ذكرياتهم مجدداً، إذ يقول عون: «لقد عايشنا الأيام الذهبية للبنان، والآن الوضع صعب جداً، لكنّنا مازلنا متمسّكين بالقيم ذاتها... ولن نحيد عنها».