يبدأ فيديو كليب الأغنية بلقطات لجنود عراقيين مع أسلحتهم، وبعجلات «همفي» تمضي مسرعةً في إحدى جبهات القتال، مع موسيقى حماسية. سرعان ما تظهر مطربة شقراء، لا صوت غنائياً لها، ترتدي بزة عسكرية، تبدأ بإنشاد أغنية ضد تنظيم «داعش» في العراق. تتراقص، ملوحة بمسدسها، بينما تقول كلمات الأغنية «هيلا»، وتعني باللهجة العراقية «إحذر». على هذا النحو، أنقضى عام من الانتاج الفني الذي قيل إنه «مساهمة» فنية عراقية في الحرب ضد أشرس قوة إرهابية عرفتها البلاد. وبدا أنه وفيرٌ جداً من دون نوع، في موضة تجارية استغلت عنوان مواجهة الإرهاب. ومنذ أن سقطت محافظات عراقية بيد تنظيم «داعش»، ومع محاولات استعادتها، تحمس منتجون فنيون ومحطات إعلامية للدخول في أجواء المعارك، وتقديم أغان يتداولها العراقيون في ظروف مثل هذه، تستنسخ بعضها بالفوضى والتقليد. عرف العراقيون أغاني المعركة مع صعود المد القومي العربي، خلال الصراع مع إسرائيل، ووصل تأثير الأغنية المصرية الحماسية إلى بغداد لتبدأ قصة أغنية مختلفة عن سياق منشغل بالتراث وحكايات عن البغدادية الجميلة و»عباءتها». وصل إنتاج الأغنية الحربية الذروة مع الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، حيث قُدِمت أغان بكلمات وألحان أكثر ذكاءً ساهمت في منح المعركة، آنذاك، طابعاً حماسياً وجرّت الشارع إلى مناخ المعركة، وصارت أعمالاً فنية حماسية «أيقونة» في ذاكرة العراقيين لا يزال كثيرون يرددونها إلى اليوم، بينما تنشدها محافل مختلفة حتى خارج إطار الحرب أو استذكارها، كما في الأغنية الشهيرة «منصورة يا بغداد». وكاد العراقيون أن ينسوا أغاني التعبئة قبل هجوم «داعش» على مدنهم، وانخراط آلاف الشباب في معارك طاحنة ضد مسلحيه منذ حزيران (يونيو) 2014، لقد انشغلت بعض الفضائيات العراقية بعسكرة ذاتها من خلال تقديم محللين سياسيين يرتدون الزي العسكري، أو في محطات أخرى تبث الأغاني الحماسية لتعبئة الناس ضد التنظيم، أو لدعم الجيش ومن يسانده. الأغنية الحماسية العراقية التي ظهرت في زمن «داعش» كانت، أول الأمر، رد فعل عراقي ثقافي لمواجهة مشاعر الخوف التي سيطرت على الشارع، كان أمراً طبيعياً أن يغني العراقيون ضد هواجس تصاعدت العام الماضي بأن تسقط عاصمتهم بغداد مثل الموصل وتكريت والرمادي. لكن، القصة في غرف الانتاج مختلفة تماماً. لقد قدم مطربون وملحنون كماً هائلاً من الأغاني ضد تنظيم «داعش»، والمفارقة أن غالبيتها متشابه في ألحانها ومضمونها، بل حتى في مقاطعها التصويرية، وحركات مطربيها وأزيائهم. بدا أن الأمر تجاري صرف. كثيرون في ساحة الانتاج الغنائي العراقي بمقدورهم تقديم أغنية عن «الجيش العراقي»، أو الحشد الشعبي في غضون نهار واحد، كما يقول أحد المسؤولين في قناة قدمت عشرات الأغاني الحربية خلال عام 2015. وفي هذا المناخ، تسابقت المحطات الفضائية، ومعها جيش من الشعراء والملحنين والمطربين للحاق بهذا الكم الهائل من الانتاج، خصوصاً أن دوائر حكومية كانت تساهم أو تقدم رعاية ما لمثل هذه الأعمال. لكن بعض الأغاني حصلت على شهرة بين الشباب، وتداولها كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي، بل صار من المعتاد أن تسمعها من مكبرات الصوت في الأماكن العامة، وفي الأعراس يرافقها إطلاق نار كثيف. من بين تلك الأغاني، «خالي»، «يا ستار»، و»إلا طحين». لم يكن المنتجون في حاجة إلى تغيير جوهري في الأغنية العراقية المطلوبة شعبياً حتى تكون مناسبة لأغاني المعركة، ففي الأوقات الطبيعية نسبياً كانت الأغاني العاطفية عنيفة أيضاً. في أغنيات مثل «حرب حرب»، «العين الحمرة»، «احرك الجو (أحرق)» وغيرها، يظهر العنف الوسيلة التعبيرية عن الغزل. الأغنية المصوّرة «حرب حرب»، أظهرت المغني والملحن العراقي المقيم في الإمارات حسام كامل مرتدياً زياً عسكرياً، ويحشو في أحد المشاهد مسدّساً بالرصاص. وقد صبغ وجنتيه بالأسود كما يفعل رجال «الكوماندوز»، في حين أن الأغنية تهدف، كما يفترض كاتبها ومخرجها، إلى تعبير المغني عن رغبته في الزواج من فتاة. والحال، أن سوق الأغنية الحماسية في زمن «داعش» قدمت الكثير من الغناء، لكنها أخفقت في أن تقدم الموسيقى بطابعها وهويتها العراقية، وصار الأمر مجرد رجل أو امرأة يرقصان بمسدس، وبزي «مرقط».