إذا كانت سوق «كان» للإنتاج التلفزيوني الحدث الأبرز الذي ينتظره ممثلو التلفزيونات حول العالم، فإن العرب عرفوا دوماً -خصوصاً مع انطلاق عصر الفضائيات - كيف يحجزوا لأنفسهم مقعداً مميزاً فيها... ولكن غالباً كمستوردين لا كمصدرين. فالسوق التي تقفل دورتها الحالية اليوم، استقطبت دوماً المنتجين العرب للاطلاع على جديد عالم التلفزيون ونقله الى الجمهور. اما الإنتاج العربي، فظل بعيداً من التسويق الا في عدد من البلدان الإسلامية التي تهتم ببعض ما ينتج في بلادنا من اعمال تاريخية او دراما «هادفة». من هنا اهمية الأخبار التي تأتي في هذه الأيام من مدينة كان حول منح «الجزيرة للأطفال» حق توزيع مسلسل الرسوم المتحركة «نان وليلي» الى الشركة البريطانية «كلاسيك ميديا» التي تعتبر، كما تقول القناة القطرية، «أكبر شركات التوزيع المستقلة في العالم، خصوصاً ان مجموع ما وزعته وصل الى حوالى 3600 ساعة برامجية في اكثر من 170 دولة». فضلاً عن منح القناة نفسها شركة «مونستر الدولية» حق توزيع مسلسل آخر انتجته بشراكة مع تلفزيون بلاد الغال... من دون ان ننسى مسلسل «صلاح الدين... البطل الأسطورة» الذي خصصت له «الجزيرة للأطفال» موازنة ضخمة، واستخدمت في تصويره احدث تقنيات الغرافيك، ليكون قادراً على جذب شاشات أوروبية وأميركية. وتزداد أهمية هذه الأخبار حين يكون الطرف المباشر في هذه العملية مولوداً حديثًا في عالم الفضائيات. فعلى رغم ان «الجزيرة للأطفال» لا تزال في سنتها الخامسة، فجهودها بدأت تثمر. والواضح ان هذه الخطوة تأتي مواكبة للسياسة التي انتهجتها القناة قبل فترة في مجال انتاج الأفلام الوثائقية والروائية بالتعاون مع سينمائيين عرب مثل نوري بو زيد وبرهان علوية ومحمد ملص وأسامة فوزي... ما نتج منه افلام تلفزيونية بلغة سينمائية، نالت تصفيق عدد من المهرجانات التي كافأتها بجوائز. منها، مثلاً، جائزة الاتحاد العالمي لمؤسسات البث الخاصة في لندن... وجائزة وزارة الثقافة الذهبية للأفلام العربية في مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال عن فيلم «ضربة جزاء». هذه الأخبار إذ تأتي اليوم تبدو وكأنها جواب عملي على تساؤلات تشغل الأقلام منذ فترة، وتدور حول عدم وجود تبادل بالمثل - حتى الآن - بين العالم العربي وتركيا مثلاً. بمعنى ان انتشار المسلسلات التركية على القنوات العربية لا يقابله بعد عرض المسلسلات العربية -خصوصاً السورية والمصرية - على الشاشات التركية، مع الإجماع على ان المستوى العام للأعمال العربية يفوق أحياناً المستوى العام للمسلسلات التركية. ترى إذا كانت «الجزيرة للأطفال» قد نجحت في تسويق الأعمال العربية في الخارج، أفلا يعني هذا ان مزيداً من الجهد التسويقي والفني ايضاً، قد ينتج منه، بالتدريج، امكانات حقيقية لانتشار انتاجاتنا العربية خارج حدودنا، ما يثريها ويتطلب إشراك مواهب عربية في عملية إنتاج لا تعود موجهة الى المتفرج المحلي وحده... فتخف الشكوى وجلد الذات، ونصبح كمن يصيب عصافير عدة بحجر واحد؟