أي مستشفى - بأنه الملجأ الذي يقصده المرضى والمصابون، بغرض التداوي والحصول على العلاج اللازم، ما يعني أنه مكان يتّسم بسمات البيئة الآمنة، التي توفر لمن فيها كل متطلبات الراحة والسلامة. إلا أن ذلك يكاد يكون غائباً عن مستشفى جيزان العام، الذي ظلّ يُعرف بضعف خدماته وقلّة التزامه بالاشتراطات الصحية المطلوبة. وعندما ينشد المتنبي قائلاً: «كفى بك داء أن ترى الموت شافياً.. وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا»، فهو كأنه يُسقط على هذا المستشفى، الذي يفتقر إلى الكثير ما يجب أن يحضر، فالمكان الذي يحتضن مئات المصابين من أطفال وشيبٍ وشباب، لم يكن قادراً على توفير الأمن والسلامة لهم، فمع واقعة الحريق التي تبيّن المؤشرات أنها وُلدت من رحم إهمال كهربائي، فشلت مخارج الطوارئ في أن تكون طوق النجاة لهم، كما كشفت عن سلبيات عدة وقصور في ما يصل إلى 15 محوراً من اشتراطات السلامة في المستشفى، منها ما كان يُنذر بحدوث ما لا يُحمد عقباه. وتوصّلت «الحياة» إلى مستند يفيد بضرورة إصلاح تلك المخالفات والقصور بالغة الخطورة، وذلك على خلفية اجتماع سابق جمع مسؤولين من المديرية العامة للشؤون الصحية، ومديرية الدفاع المدني، ومستشفى جيزان العام، والشركة المنفذة للبرج، إلا أن ذلك لم يحدث على رغم التوصية به. «مستشفى الرعب» شهد أمس عويلاً وصياحاً لم يتوقف، وسط ظلام دامس تسبّب فيه انقطاع التيار الكهربائي وفشل المولّد الكهربائي الاحتياط بالقيام في مهمته، قبل أن يتبعه اندلاع حريق في الدور الأول امتد إلى الأدوار العلوية، إذ تداخلت أصوات الاستنجاد وتأوهات المرضى المنوّمين في مختلف الأقسام، وبات كل منهم يسعى لإنقاذ ذاته أو الوصول على فرق الدفاع المدني والهلال الأحمر التي باشرت الحادثة. مسيرة الحريق الذي اندلع في المستشفى، انطلقت باتجاه قسم الحضانة والنساء والولادة، لتعبر من قسم العناية المركزة، مروراً بالتنويم العام، ليصل عدد الوفيات إلى 25 حالة، و123 إصابة (حصيلة أولية)، فيما حاول بعض الموجودين في المستشفى إخراج الأطفال المنومين في الحضانة، ونقلهم إلى مكان آمن. وعلى رغم الفرحة التي غمرت عبده بعد أن تلقّى اتصالاً يفيد بقدوم مولود له، إلا أن حال الخوف والقلق التي عاشها أنسته موقتاً كل ذلك، إذ ما لبث أن تلقّى خبر المولود إلا وشاهد بعينيه اندلاع الحريق، فسارع إلى اقتحام المستشفى سعياً لإنقاذ زوجته وطفلته، في وقت شهد زحام ذوي المرضى المنوّمين بهدف محاولة إنقاذهم. وقال عبده: «أثناء ذهابي للمستشفى بعد علمي بقدوم مولودتي، ذهلت مما شاهدته من بكاء النساء وزحام الرجال ومحاولتهم الوصول إلى أقسام التنويم برفقة الدفاع المدني، لإنقاذ المصابين وإخراج المحتجزين، لم أكن أعرف موقع زوجتي تحديداً ولا ابنتي، خصوصاً أننا كنا نعتمد على أضواء الهاتف المتنقل، إذ استطعنا إنقاذ من كنا نجدهم في طريقنا، وعند محاولتي الوصول إلى قسم النساء والولادة أفادني رجال الدفاع المدني بأنه تم كسر مخرج الطوارئ وإخراج من هو على قيد الحياة، وبالفعل وجدت زوجتي وابنتي بالقرب من المخرج». ولم تستطع فتاة منوّمة تحمّل شدة الحرارة وحال الاختناق الذي سبّبه الحريق، إذ لجأت إلى القفز من الدور الثاني، فيما لم تتمكّن فتاة أخرى برفقة أمها من الخروج، حتى توفيتا إثر الدخان والاختناق. وانتشر في الموقع عشرات المسعفين والإطفائيين، لإنقاذ الحالة الموجودة في المستشفى، وإخماد الحريق المندلع في عدد من المرافق، وإسعاف المصابين بشكل عاجل. فيما طاولت الإصابات 5 من المنقذين في الدفاع المدني بإصابات متفرقة منها كسور ورضوض واختناقات وحروق، وتم نقلهم لمستشفى الأمير محمد بن ناصر، في حين شهد موقع الحدث وجود الجهات الأمنية من الشرطة والأدلة الجنائية وقطاعات خدمية أخرى شملت الكهرباء والأمانة وغيرها. وطالب آلاف المواطنين عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بالعمل عاجلاً على معرفة أسباب الكارثة، ومحاسبة المتسببين بها وإيقاع أشد العقوبات عليهم، مشدّدين على ضرورة عناية وزارة الصحة بمستشفياتها والتحقق من التزامها بمعايير السلامة.