استشاط جهاد حسن، الطالب الجامعي الفلسطيني، غضباً، حين علم أن شهادة البكالوريوس المفترض حصوله عليها في العلوم الإدارية، قد تبقى حبراً على ورق، لمجرد أن معدله في الثانوية العامة نقص عن ال65 المئة بنقطتين فقط (8, 64 في المئة). ولم يكن حسن يعلم أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، قررت منذ ما يقارب الثلاث سنوات عدم اعتماد أي شهادة جامعية لأي طالب ينخفض معدله في الثانوية العامة عن 65 في المئة خصوصاً لخريجي الجامعات الفلسطينية، في حين لا يزال الغموض يكتنف مصير خريجي الجامعات العربية والأجنبية. وحال حسن تنطبق على الآلاف من الطلاب الفلسطينيين، الذين يصفهم حسن نفسه بالناجحين مع وقف التنفيذ، مطالباً الطلاب وذويهم بتنظيم تظاهرات احتجاجية ضد هذا القرار الذي وصفه بالجائر. ويقول: «من غير المعقول أن يدرس الطالب أربع سنوات أو أكثر للحصول على درجة البكالوريوس، ومن ثم لا تتم المصادقة على شهادته من وزارة التربية بسبب علامات الباكالوريا، مع أن الجامعة التي درس فيها معترف بها من قبل الوزارة». ويثير القرار جدلاً كبيراً بين الطلاب وذويهم، سواء من يدرسون في الجامعات الفلسطينية، وبالتحديد جامعة القدس المفتوحة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تقبل في العديد من الأحيان طلاباً ممن لم يتمكنوا من عبور «حاجز ال65 في المئة»، أم ممن يدرسون في الخارج، والذين لم يتم حسم ما إذا كان القرار سينطبق عليهم أم لا، على رغم مرور أكثر من سنتين على اصداره. وأشارت إحصاءات وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية إلى أن عدد الناجحين في امتحانات الثانوية العامة، للسنة الماضية، وتقل معدلاتهم عن 65 %، وبالتالي لا يحق لهم الالتحاق بمعظم الجامعات الفلسطينية، أو يعانون من شبح عدم الاعتراف بشهاداتهم الجامعية الفلسطينية والخارجية، بلغ 15 الفاً و138 طالباً وطالبة، منهم 5508 في الضفة، و9630 في القطاع. وبحسب الإحصاءات ذاتها فإن نسبة من لم يحصل على معدل 65 في المئة وما فوق من إجمالي الناجحين في الأراضي الفلسطينية هي31 في المئة وتعتبر نسبة عالية جداً، يشكل طلاب غزة 50 في المئة منها. ويثار الموضوع بين فترة وأخرى، وفي أطر محدودة، من قبل بعض المهتمين من أولياء الأمور، أو حتى من الطلاب أنفسهم، خصوصاً عبر وسائل إعلام محلية، لكن سرعان ما يخفت البركان، بسبب عدم التفاعل الحقيقي من قبل المجتمع المحلي مع الأزمة التي تعاني منها نسبة كبيرة من الناجحين في «التوجيهي» سنوياً. وتشير دراسة تربوية حديثة بنيت على إحصاءات وزارة التربية والتعليم، إلى أنه إذا أضيف الراسبون على من لم يتجاوزوا عقبة ال 65 في المئة يبلغ إجمالي المحرومين من دخول الجامعات التي تعترف بها وزارة التربية والتعليم العالي نحو 55 الف طالب وطالبة. وتشير الدراسة إلى أن «المعطيات السابقة تدلل على ان ثمة خللاً خلفه هذا القرار على مجمل المسيرة التعليمية للسنة المنصرمة، ومجمل السنوات السابقة منذ صدوره، وهو خلل خطير جدا وبحاجة إلى معالجة لأنه إذا استمرت الأوضاع على حالها وسوئها فإن أعداد غير الحاصلين على شهادات جامعية سيزيد بشكل كبير ومتسارع». وفي حين ترى وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية ما يمكن اعتباره مسوغات للقرار، يرى بعض التربويين ضرورة إعادة النظر بجدية فيه، وعدم ترك الأمور ضبابية، خصوصاً في ما يتعلق بالطلاب الذين يدرسون في الخارج ممن لم يتجاوزوا المعدل المطلوب في «التوجيهي». وفي هذا الإطار كان محمد أبو زيد، وكيل وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، برر القرار في أكثر من مناسبة، بأن «الدخول إلى الجامعات الفلسطينية بات يتطلب معدلاً يفوق 70 في المئة كحد أدنى، وبالتالي كان هذا القرار بمثابة تحصيل حاصل من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يهدف إلى التركيز على النوع وليس الكم لا سيما أن حجم التنافس الحالي لدخول الجامعات الفلسطينية لا يتعارض مع هذا القرار». وأشار إلى أن «هناك بعض البرامج الجامعية الضرورية التي لا تلقى إقبالاً تم تخفيض نسبة قبولها عن ال 65 في المئة وبموافقة الوزارة»، وهذا ما يرى فيه البعض مخرجاً للمصادقة على العديد من الشهادات الجامعية المحلية حتى وإن كان أصحابها لم يتخطوا «جاحز ال65 في المئة في الثانوية العامة»، وإن كان لا يحل إلا جزءاً يسيراً من الإشكالية. وشدد أبو زيد على أن الوزارة، وعبر هذا القرار، لا تريد المزيد من العاطلين عن العمل كما يدعي البعض، مع أنه تحدث عن وجهات نظر عدة بخصوص القرار، والتي قد تكون موضع دراسة الوزارة، كاشفاً أن لا قرار قطعياً في ما يتعلق بالشهادات الجامعية الخارجية. وما يزيد الأمور التباساً، الإعلان الذي نشرته وزارة التربية والتعليم الفلسطينية على موقعها الالكتروني أكثر من مرة، والذي تقول فيه بوضوح: «يبقى الحد الأدنى للقبول في برامج البكالوريوس في جميع مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 65 في المئة وفي جميع التخصصات، ويصبح الحد الأدنى للقبول في برامج البكالوريوس في مؤسسات التعليم العالي العربية والأجنبية 65 في المئة للطلبة الذين يرغبون بالالتحاق بهذه الجامعات اعتباراً من بدء العام الدراسي 2008/2009، وعليه فإن الوزارة لن تصادق أو تعادل مستقبلاً أي شهادات مخالفة». وحتى يأتي الوقت، الذي تبدي فيه وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية مرونة مع فكرة إعادة النظر في القرار، أو تحسم أمورها بخصوص الطلاب الفلسطينيين في الخارج، يبقى أكثر من 15 ألف طالب وأمثالهم في العامين السابقين ينتظرون وذويهم «فرج الرحمن»، على أمل ألا يذهب تعب أبنائهم، وعرق الآباء لتوفير تكاليف سنوات الدراسة الجامعية، أدراج الرياح.