لم تسمع مكية محمد، عن موسوعة «غينيس»، ولا يشغلها تحطيم الأرقام القياسية على الإطلاق، وهي تدخل أصابعها المتجعدة بين الخوص، جاهدة لإنجاز أكبر سلة في العالم، بمساعدة أكثر من 56 سيدة تجمعن تحت سقف إحدى غرف القرية التراثية في ساحة الاحتفالات التابعة لأمانة الأحساء، من خلال مشروع أعدته جمعية «فتاة الأحساء»، بغية الوصول إلى العالمية، من طريق المهن التراثية. وتشير رئيسة المشروع عضو مجلس إدارة الجمعية نوال العفالق، إلى أن هذه الفكرة «بدأت مصادفة. وكان ابن أختي طُلب منه في المدرسة أن يكتب موضوعاً تراثياً، فخرجت معه إلى السوق، لأجد بائعات الخوص ومنتجاته. وبدأت أحاورهن حول المهنة، فخرجت بنتيجة أن أغلبهن تركنها لعدم وجود مردود مادي جيد، ولنفور الجيل الحالي من إكمال مسيرتها، بل ولجوء البعض إلى الشراء من غير أصحاب المهنة الحقيقيين». وتقول العفالق: «عقدنا اجتماعاً في الجمعية، ضمن «أسبوع التضامن مع الأسر المُنتجة»، فعرضت الفكرة على المجتمعات، فكانت البداية بتجهيز أكبر سفرة في العالم، وبدأنا على الفور، في مراسلة إدارة موسوعة «غينيس». ولكنهم رفضوا فكرة السفرة، لأنها ليست عالمية، فتم الاتفاق على صنع أكبر سلة في العالم. وشددنا على تحطيم الرقم القياسي لرومانيا، الذين صنعوا سلة بلغ عرضها 19 متراً، وارتفاعها تسعة أمتار». وبدأ التحرك لإطلاق المشروع بمراسلة جهات حكومية عدة، لعقد شراكة بين الجمعية وبينها، لتبني هذه الفكرة. وتقول العفالق: «راسلنا وزارة الزراعة، وهيئة الري والصرف في الأحساء، لتوفير كميات الخوص المُستخدمة في صنع هذه السلة، فتعهدوا بالتمويل من دون تردد، وكذلك الحال مع أمانة الأحساء، الذين أبدوا حماساً كبيراً في الرعاية الحصرية، من طريق الإشراف الفني، ليبدأ العمل بجدية أكبر». ولم تعلن العفالق، عن حجم السلة المُتوقع. وعزت ذلك إلى أنه «لا يجوز الإفصاح عن الحجم حالياً، حتى لا نتفاجأ بسلة من دول أخرى، تنافس حجم سلتنا. وهذا من أساسات الدخول في هذه المنافسة. ولكن سيتم الإعلان عنها في وقت لاحق»، مضيفة «تعمل أكثر من 56 حرفية يومياً، على إنجاز هذه السلة العملاقة، وتتقاضى كل واحدة منهن أجراً مجزياً، ولمدة شهرين، تشمل المواصلات والوجبات». وعن كيفية تجميع هذا العدد من الحرفيات، أضافت «شكلنا لجاناً جابت جميع قرى الأحساء، وقابلت الحرفيات، وأقنعتهن بخوض التجربة، إلى جانب تواصلنا مع مراكز التنمية في تلك القرى. ونحن نملك قاعدة بيانات جيدة بأسماء ووسائل الاتصال مع بعض الحرفيات، ما سهل جمع كل هذا العدد من السيدات». وأكدت أن معظم العاملات «غير متعلمات، وبعضهن جاء بمفرده، وأخريات إما برفقة بناتهن، أو أخواتهن، في مشهد تراثي جميل، لا تسمع فيه إلا صوت الخوص، وحكايات الزمن الجميل»، وبالمرور على تلك الغرفة التي يشغلها ضجيج الخوص وأصوات حكايات الأحساء القديمة، ينفصل المار عندها عن العالم الحالي، ليعود إلى حقب زمنية كانت هذه الحرفة سيدة المكان. وتقول العفالق: «لا يعرفن شيئاً عن موسوعة «غينيس»، وأرقامها القياسية، لذا كان من الصعب محاورتهن بهذه اللغة. لكنني أخبرتهن منذ البداية أننا بصدد عمل سلة تفوق البيت الكبير، فهل لديكن الاستعداد؟ فكان الرد بصوت واحد: حتى لو أردتِ بحجم ثلاثة بيوت فلا مشكلة، فكان حماسهن دافع قوي لإتمام هذه الفكرة».