قال مصدر قيادي في قوى 14 آذار تعليقاً على التصريحات والمواقف الصادرة عن قيادة المعارضة لمناسبة الإفراج عن الضباط الأربعة بناء لقرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمدعي العام دانيال بلمار الأربعاء الماضي، لا سيما، الكلمة المتلفزة للأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وتصريحات الضباط أنفسهم خلال الأيام الماضية، أن ثمة حملة إعلامية ترافق ما حصل هدفها استثمار قرار المحكمة من أجل إنشاء مناخ سياسي وإعلامي يرمي الى التأثير في معنويات جمهور الأكثرية الحالية والجمهور الحيادي من أجل كسبه الى جانب المعارضة بالإيحاء أن سياسة قوى 14 آذار حيال المحكمة فاشلة لعلّ ذلك ينعكس على نتائج الانتخابات النيابية. وفي وقت أكد نصر الله في كلمته أول من أمس أن تداعيات إخلاء الضباط الأربعة لن تؤثر في الانتخابات النيابية لأن الاصطفافات حاصلة، يعتبر المصدر القيادي أن كلام الأمين العام للحزب ومواقف الضباط ورموز المعارضة، تسعى، على العكس من ذلك، الى البناء على مناخ إعلامي قوامه المسّ بهيبة السلطة السياسية والأكثرية فيها، وبالقضاء و «تهبيط الحيطان» من أجل تجيير ذلك لمصلحة مرشحي المعارضة في 7 حزيران (يونيو) المقبل. ويشير المصدر القيادي في قوى 14 آذار الى أن من الواضح أن الحملة القائمة منسقة بين قيادات المعارضة وهي لا تكتفي باستهداف الأكثرية والقضاء بل تذهب الى حد الضغط على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لدفعه الى تغطية مطالب المعارضة تحت شعار «محاسبة القضاة»، تمهيداً لإغراق الرئاسة في سياسة منحازة الى رؤية ومنطق الحزب والمعارضة إزاء المحكمة الدولية من جهة، ولابتزاز سليمان لأهداف انتخابية بسبب عدم ممانعته قيام كتلة نيابية وسطية تستند إليها الرئاسة في لعب دور متوازن في الحكم بعد الانتخابات النيابية بدل أن تصبح رهينة واحد من الفريقين اللذين يحصل الاصطفاف في كل منهما. وفيما تشكك أوساط سياسية ومراقبة بقدرة قوى 14 آذار على مواجهة هذه الحملة بسبب ما ظهر من تباينات وثغرات سياسية وانتخابية بين قواها في الأسابيع الماضية، يدعو المصدر القيادي في 14 آذار الى «الاطمئنان الى أن حملة المعارضة في الأيام الثلاثة الماضية أدت خدمة سياسية فائقة الأهمية لقوى الأكثرية إذ كانت بمثابة كبسة الزر التي أعادت استنفار جمهور 14 آذار وشد عصبه بسبب استفزازه من الحدث وما أعقبه من جهة، وأطلقت حالة من التناغم السياسي بين قادته من جهة ثانية». وأضاف المصدر: «فوجئ قادة المعارضة برد الفعل السريع لرئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط الذي تقصّد إعلان ما أعلنه عن استمرار الاتهام السياسي الذي سبق له ولحلفائه أن أطلقوه بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من دارة آل الحريري، لإيصال رسالة بأن انتهاجه سلوك التهدئة مع فرقاء المعارضة لتمرير المرحلة السياسية الدقيقة في البلاد والمنطقة، لا يعني تخليه عن ثوابته كركن في قوى 14 آذار يخوض معها الانتخابات من أجل ربحها مهما حصل من تباينات ظهرت في الآونة الأخيرة»، ويؤكد المصدر إياه «أن الأيام المقبلة ستكشف مدى التناغم بين قوى 14 آذار خلافاً للإيحاءات المعاكسة التي يركز عليها إعلام المعارضة». وترى أوساط أخرى أنه «إذا كان الهدف التأثير في الانتخابات من جانب المعارضة، فإن الكلام المنسق الذي صدر في الأيام الماضية كان عاماً إلا أن ثمة استهدافاً موجهاً للساحة المسيحية في هذه الانتخابات يظهر في التركيز من قبل بعض الرموز على رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع من أجل التأثير في الرأي العام المسيحي لغير مصلحته ولمصلحة خصومه المعارضين». أما في ما يخص الحملة على القضاء فتخشى هذه الأوساط من أن تكون وظيفتها (أو نتيجتها) «شل القضاء اللبناني في المرحلة المقبلة، ومعه الأجهزة الأمنية التي يحصل الهجوم عليها (قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات) في خطوة شبيهة بعملية شل الجيش اللبناني إثر الهجوم الذي تعرض له بعد حادثة إطلاق النار على متظاهرين في محلة مار مخايل في الضاحية الجنوبية من بيروت، والتي أدت الى ردع الجيش عن التعاطي مع تحركات تحصل على الأرض وصولاً الى إحجامه عن التدخل للحؤول دون أحداث 7 أيار (مايو) 2008 وعملية اجتياح بيروت أمنياً وعسكرياً، ووقوفه موقف المتفرج». وسألت هذه الأوساط: «هل الهدف تعطيل القضاء وإخضاعه (كذلك الرئاسة الأولى) عبر إغراقه في حالة من التجاذب والتشويش حول دوره ومعه ما تبقى من أجهزة أمنية؟». إلا أن مصدراً قيادياً آخر في قوى 14 آذار يعتبر أنه على رغم الحملة على القضاء، والتهديد بتحركات ميدانية لدفع قضاة الى الاستقالة، فإن خطاب السيد نصر الله لم يجار حلفاءه في هذا التصعيد واكتفى بانتقادات مبطنة للقضاء اللبناني من دون الهجوم عليه. «لأن حجة فريق الأكثرية كما عرضها في مجلس الوزراء هي استناد القضاء الى المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تترك سقف مدة التوقيف الاحتياطي مفتوحة. وهو بند في هذه المادة كان أصرّ عليه رموز المرحلة السابقة من الإدارة السورية للوضع اللبناني خلافاً لإرادة الرئيس الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري وجنبلاط وبالتالي فإن حجة المعارضة ضد القضاة ضعيفة، هذا عدا أن نصر الله تجنب المساهمة في الضغوط على رئيس الجمهورية. ويقول المصدر القيادي نفسه أن الموقف الرئيسي في كلام نصر الله هو الذي يتناول المحكمة، «وفي الوقت الذي ندعو نحن الى اعتبار تسليمنا بقرار المحكمة إخلاء الضباط الذي كان مطلباً للمعارضة، منطلقاً لتوحيد الموقف حيالها واستعادة الإجماع عليها بعد خلاف في شأنها، يرافق بداية عملها، فإن نصر الله دعا الى إجماع على نهاية المحكمة وعملها، لأنه يعتبر أن ما حصل هو العودة الى نقطة الصفر». ويرى المصدر أن حديث نصر الله «هدفه الإجماع على توصيف جريمة اغتيال الرئيس الحريري واحتمالات هذا التوصيف وليس على بداية عمل المحكمة بدليل اعتبار أن هناك بلمار (1) وبلمار (2) ولا نعرف من هو بلمار (3). وهو بذلك يستبق أي استدعاء تقوم به المحكمة أو تحقيق أو اتهام ليحتفظ لنفسه بحق رفض ذلك مشترطاً أن تثبت المحكمة أن أداءها نزيه. وهذا أيضاً يحتمل الاستنسابية في التعاطي مع ما تصل إليه المحكمة من نتائج فإذا لاءمت القوى السياسية في المعارضة تنسجم معها وإذا لم تلائمها ترفضها. وهو أمر يمهد لرفض مثول بعض من يُحتمل استدعاؤهم». وينتهي المصدر الى القول إن «هناك خطورة في هذا الموقف حيث طلب السيد نصر الله أن تبقي المحكمة على احتمال اتهام إسرائيل مفتوحاً في وقت كان رئيس لجنة التحقيق السابقة ديتليف ميليس أعلن منذ البداية أنه سيتناول كل الاحتمالات. فهل يعني أنه إذا توصلت المحكمة الى نتائج في واحد من الاحتمالات الأخرى، لن يتم القبول بها؟». ويعتبر المصدر أن هذا الموقف استباق للتحقيق وعمل المحكمة.