التطورات التي حدثت خلال الايام الماضية تؤشر بوضوح الى ان «الحوار النووي» بين الولاياتالمتحدة وإيران بلغ مرحلة تحول بالغة الخطورة، وانعطافة نوعية في الخلاف الناشب بين اميركا واوروبا من جهة وايران من جهة ثانية والذي تحول الى منازلة بالغة الحدة والخطورة من حيث دخول الازمة المعقدة فترة العد العكسي بعد مراوحة طويلة من التجاذبات. ما الذي حرك ملف التصعيد النووي بعد فترة من الركود النسبي؟ الجواب يتمثل بقرار الرئيس باراك اوباما اعادة تقويم «العقيدة النووية». ومما جاء في حيثيات هذا القرار ان اميركا لن تلجأ الى السلاح النووي «الا في حال الضرورة القصوى للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها»، الامر الذي لم تلتزم به الادارات الاميركية المتعاقبة لجهة عدم استخدام هذا السلاح. لكن المراجعة التي قام بها الرئيس اوباما تتضمن استثناء ايران وكوريا الشمالية من هذا الاجراء. وفي معرض سرد الاسباب الموجبة لهذا القرار المهم ورد الآتي: «ان التهديد الاكبر للولايات المتحدة والامن العالمي لم يبقَ تبادلاً نووياً بين الدول، بل بات ارهابياً على الصعيد النووي، من قبل متطرفين عنيفين (كذا)، وانتشار الاسلحة النووية الى دول يتزايد عددها». ويصر تقرير اوباما على «امكانية حماية أمننا الوطني وامن حلفائنا وشركائنا، من خلال قدراتنا العسكرية التقليدية وانظمة درع صاروخي قوية». ولقي هذا الطرح ردوداً متفاوتة بين التأييد والتحفظ، ووصف وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الخطة بأنها: خريطة طريق لتطبيق رؤية الرئيس اوباما في تقليص السلاح النووي في العالم والحد من التهديد بهذا النوع من الاسلحة. علماً أن وزير الدفاع غيتس سبق له ان عارض هذه الفكرة وكان يطالب حتى الامس القريب بالإبقاء على ما يطلق عليه «سياسة الغموض النووي». والسؤال الطبيعي الذي يفرض نفسه: ما مدى انعكاس تداعيات القرار الاميركي على الوضع الاقليمي العام، وأكثر تحديداً في ما يتصل بالملف النووي الايراني؟ وهو يأتي بعد ان كاد صبر الرئيس اوباما والعديد من الدول الاوروبية ينفد مع تكرار التهديد بفرض عقوبات جديدة قاسية على ايران. وعندما طرح السؤال حول ايران النووية: اجاب اوباما انه على قناعة بأن النهج الحالي الذي ينتهجه الايرانيون «سيوفر لهم قدرات امتلاك الاسلحة النووية». وعندما طرح على الرئيس الاميركي موضوع الاسلحة النووية في اسرائيل تهرب من الاجابة عن السؤال، واكتفى بتكرار القول: «ان ايران لديها قدرات نووية وتمثل خطراً مثل تلك الدول التي تمتلك بالفعل الاسلحة النووية». وماذا عن العقوبات والعمل على تشديدها كما تم التهديد في العديد من المرات من دون جدوى؟ يرد اوباما بالاعتراف «لسنا من السذاجة لنعتقد ان اي مجموعة من العقوبات ستغير السلوك الايراني قريباً». وعلى اللائحة النووية نلحظ ما يأتي: هناك خمس دول اعلنت انها دول نووية وهي اميركا، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين، وهناك ثلاث دول لديها اسلحة نووية لكنها رفضت التوقيع على المعاهدة وهي الهند وباكستان واسرئيل. ومن المفارقات ان ايران من الدول الموقعة على الاتفاقية، فيما اسرائيل ليست موقعة عليها. وفور كشف الرئيس اوباما عن خطته الجديدة للتعاطي مع الاسلحة النووية جرى تصويب السؤال على الشكل الآتي: هل تعني الترتيبات النووية الجديدة التركيز على ايران ومقارعة النزاع النووي بالنووي؟. لم يطل رد ايران على هذا الاجراء، اذ اطلق الرئيس محمود احمدي نجاد التهديدات المباشرة للرئيس اوباما بتوجيه ضربات موجعة اذا قرر السير على خطى سلفه جورج دبليو بوش. اذاً... الوضع القابض على المنطقة من محاذير نووية وغير نووية سيستمر، ولو الى حين، بانتظار مفاجأة ما. وهنا يطرح سؤال الاسئلة: من يستدرج من؟ واستطراداً: من سيكون البادئ بالفعل ليكون الآخر في موقع رد الفعل؟ هنا يدخل الدور الاسرائيلي والمتمثل برئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وهو الذي يسوق للاميركيين ولغيرهم فكرة «التخلص» من «الخطر الايراني»، وبذلك ينقذ الامن الاميركي من الاخطار الايرانية. وسبق لرئيس الحكومة الاسرائيلية ان تناقش مطولاً مع الادارة الاميركية بهذا الشأن، لكن واشنطن كانت ولا تزال تدعو الى عدم التفرد بالقرار في ما يتصل بشن أي هجوم على ايران لأن محاذير مثل هذه الخطوة لا يمكن تحديد أبعادها ونتائجها ثم ان التوقيت الحالي غير مناسب لأن العلاقات الاميركية – الاسرائيلية تمر بأزمة حقيقية مقارنة بالمواقف الرخوة المعهودة، على خلفية رفض نتانياهو وقف المزيد من المستوطنات وخصوصاً في القدسالشرقية الامر الذي يخلص بنا الى الاستنتاج الآتي: انها المنازلة الاميركية المزدوجة بين اسرائيل وايران. ماذا عن ارتدادات هكذا ازمات على الصعيد اللبناني وعلاقته بالواقع الاقليمي؟ للرد يمكن الاستعانة بموقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان عندما قال امام المستشارة الالمانية انغيلا مركل خلال لقائهما في برلين: «سنبقى في لبنان من اوائل ضحايا الفشل في حل الصراع العربي - الاسرائيلي». وعندها ردت المستشارة مركل «ان تمسك اسرائيل ببناء المزيد من المستوطنات يشكل نكسة كبيرة تصيب الجهود المبذولة لاعادة احياء عملية السلام». لكن مركل انتقلت مباشرة الى الحديث عن الخطر الايراني. وفي المقابل تتكون قناعة عند الرئيس ميشال سليمان بأن اسرائيل لن تقدم على حماقة بمهاجة لبنان، وبعدما انتهت اليه حرب تموز (يوليو) 2006 لن تكون الحرب نزهة بالنسبة الى اسرائيل. وبعد... ادى قرار الرئيس اوباما بالكشف عن كيفية التعاطي مع ايران الى تحريك المياه الراكدة، وصارت التصريحات الغربية اكثر عدوانية من المواقف السابقة. وعندما تكبر الازمات وتزداد تعقيداً تفتش الأوطان الصغيرة عن زاوية تختبئ فيها اتقاء لعواصف آتية سواء من جانب اسرائيل، او اي جانب آخر. ويؤكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيس الحكومة سعد الحريري على امر هام وهو ان الشعب اللبناني لن ينقسم على نفسه اذا ما فكرت اسرائيل بارتكاب عدوان ضد لبنان، كدليل على ان صيغة التآلف الوطني لا تزال قائمة، مع علم الكثيرين انها ليست بتلك الصلابة، الا اذا كان المطلوب نفح الروح الوطنية وشد العزائم. وهذا ليس من قبيل تشبيط العزائم بل الواقعية التي علمتنا اياها تجارب الهروب في لبنان. * صحافي واعلامي لبناني [email protected]