سارعت إسرائيل إلى التوضيح أمس، أن اللقاءات السرية في جنيف بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك لتطبيع العلاقات بين الجانبين لم تسفر بعد عن اتفاق بل عن «تفاهمات أولية»، وسط توقعات مسؤولين إسرائيليين بالتوصل قريباً إلى اتفاق رسمي إزاء «التقاء مصالح» الطرفين الذي فرضته التطورات في المنطقة واستفادتهما من ذلك. وقال مسؤول تركي لوكالة «رويترز» أمس، إن بلاده تحرز تقدماً في محادثات مع إسرائيل، وإن التوصل إلى اتفاق لاستعادة العلاقات لن يستغرق وقتاً طويلاً. وأوضح أن المحادثات أحرزت تقدماً في قضية حصار غزة، وأن المفاوضات لا تزال مستمرة. ورجح بعد الاتفاق أن تتسارع وتيرة المحادثات بين شركات تركية خاصة وإسرائيل لاستيراد الغاز من حقل «لوثيان» الضخم، مشيراً إلى أن المحادثات المتعلقة بخطط إنشاء خط أنابيب واستيراد الغاز من لوثيان لم تتوقف قط رغم الخلاف السياسي. وأضاف: «نما إلى علمنا أنه فور حل المشكلة السياسية ستمضي بقية العملية سريعاً». وكانت وسائل إعلام عبرية كشفت مساء أول من أمس، عن أن لقاء تم في سويسرا الأربعاء بين الرئيس المقبل لجهاز المخابرات الخارجية (موساد) يوسي كوهين ومبعوث رئيس الحكومة الإسرائيلية الخاص للاتصالات مع تركيا يوسف تشيخنوفر، وبين نائب وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو، لفحص سبل تطبيع العلاقات بعد أكثر من خمس سنوات من تأزمها في أعقاب اعتداء سلاح البحرية الإسرائيلية على أسطول الحرية التركي الذي كان في طريقه إلى ميناء غزة بهدف كسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع المتواصل منذ نحو عشر سنوات. وقتل في الاعتداء عشرة من الناشطين الأتراك كانوا على متن سفينة «مافي مرمرة». وفي أعقاب الاعتداء، سحبت أنقرة سفيرها في تل أبيب احتجاجاً، وردت الأخيرة على الخطوة بمثلها. وطبقاً للإعلام الإسرائيلي، توصل الجانبان إلى تفاهمات على عدد من النقاط منها: - تودع إسرائيل مبلغ 20 مليون دولار في صندوق خاص لتعويض عائلات الأتراك الذين قتلوا وأصيبوا أثناء الاعتداء على السفينة. - توقف تركيا كل الشكاوى المقدمة ضد ضباط وجنود شاركوا في الاعتداء، وذلك من خلال تشريع قانون خاص يحول دون تقديم دعاوى في المستقبل. - استئناف البلدين العلاقات الديبلوماسية الكاملة بينهما وإعادة السفيرين إلى تل أبيب وأنقرة. - عدم السماح للقيادي البارز في حركة «حماس» صالح العاروري الذي كان يقيم في تركيا بدخولها بداعي تفعيله إرهابيين ضد إسرائيل. وتم التفاهم على أنه بعد التوصل إلى اتفاق نهائي، تدرس الدولتان فرص التعاون في مجال الغاز الطبيعي يقوم على إنشاء خط غاز يمر عبر تركيا ومن خلاله تصدر إسرائيل الغاز إلى سائر أنحاء أوروبا. في هذا الصدد، قال وزير شؤون الاستخبارات يوفال شتاينتز، إن تطبيع العلاقات مع تركيا له أهمية كبيرة، سواء لتطوير حقل «لوثيان» أو إعادة شركات الطاقة العالمية إلى إسرائيل للبحث عن حقول غاز جديدة. وأضاف لإذاعة «تل أبيب 102 إف.إم.»: «أعتقد أن هناك فرصة جادة ومفيدة لتحسين وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا. أعتقد أيضاً أن هذا دليل على القيمة الديبلوماسية للغاز ومشروع الغاز». وسيتكلف تطوير حقل «لوثيان» الذي تقدر احتياطياته بما يصل إلى 622 بليون متر مكعب، ما لا يقل عن ستة بلايين دولار. ومن المستهدف أن يبدأ إنتاج الحقل عام 2018- 2020، على رغم أن هذا الجدول يبدو طموحا الآن، ويتيح مبيعات ببلايين الدولارات لمصر والأردن وربما تركيا وأوروبا. وقالت المصادر التركية إن «زورلو إنرجي» واتحاد شركات تركية أخرى تتفاوض مع إسرائيل على السعر والمسار المحتمل لخط الأنابيب وهيكل المشاركة وكيفية بيع الغاز. الموضع العالق: حصار غزة وأشارت وسائل الإعلام إلى أن الموضوع الذي ما زال قيد المفاوضات يتعلق بالمطلب التركي من إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة، مضيفة أن إسرائيل ترفض قطعاً بحث الموضوع. وقال الوزير في الحكومة الإسرائيلية زئيف إلكين لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن «الاتفاق المتوقع... الذي لم يتم وضع اللمسات النهائية عليه بعد... يعطينا... ما طالبنا به: تقييد شديد لنشاط حماس في تركيا». وأضاف سياسي إسرائيلي رفيع للإذاعة العامة، إن من السابق لأوانه «مباركة اتفاق»، وإن إسرائيل «تعلمت على جلدها» أن الرئيس رجب طيب أردوغان «لا يمكن توقع ردود أفعاله، ويغير رأيه، وسبق أن عدل في الماضي عن تفاهمات مماثلة». لكنه أضاف مستدركاً أنه خلافاً للماضي، فإن تصريحات الرئيس التركي مطلع ألأسبوع بأن الشرق الأوسط سيستفيد من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تؤشر إلى تحول في سياسته. ورأى مراقبون أن أنقرة بدلت من «سياستها العدائية» لتل أبيب في أعقاب التطورات الأخيرة في المنطقة، خصوصاً في سورية والعراق، إزاء اتساع النفوذ الإيراني ودخول روسيا القتال في سورية، وما أعقب ذلك من إسقاط روسيا طائرة تركية. كل ذلك، فضلاً عن رغبة أنقرة في استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل وعدم إخلاء الساحة لليونان وقبرص للاستفادة من الغاز. وقال الوزير شتاينتز أمس، إنه لم يتم بعد التوقيع على أي اتفاق، و «إنه ينبغي على إسرائيل أن تكون حكيمة ومتزنة لا متسرعة، وأن تحرص على الحفاظ على مصالحها على أحسن وجه عند التوقيع على اتفاق رسمي». وهاجم وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان التفاهمات التي أُعلن عنها، وقال إنه لا يفهم المنطق وراء سعي الحكومة إلى تطبيع علاقاتها مع تركيا، و «مع أردوغان الذي يقود نظاماً إسلامياً راديكالياً، ويقيم علاقات تجارية مع تنظيم داعش، وقام بغزو العراق منتهكاً كل القوانين الدولية ووتّر علاقاته بروسيا»، مضيفاً أنه لا يرى أردوغان يتخلى عن غزة، و «أي موطئ قدم لتركيا في القطاع سيكون على حساب مصر، فيما الاتفاق على الغاز سيكون على حساب العلاقات مع اليونان قبرص». وتابع أن التفاهمات تسبّب ضرراً سياسياً لإسرائيل، و «هي ناجمة عن انتهازية لا عن سياسة متزنة ومدروسة وحكيمة». أما زعيم المعارضة إسحق هرتسوغ، فبارك التفاهمات، لكنه أضاف أنه «كان ممكناً التوصل إلى أفضل منها قبل ثلاثة أعوام، إلا أن خوف رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو من وزير خارجيته السابق ليبرمان المعارض أي اتفاق مع تركيا، أرجأ حل الأزمة، «ما يجعلنا ندفع اليوم ثمناً أكبر». وزاد أن ثمة ضرورة لتوسيع العلاقات مع أنقرة على مستويات كثيرة أخرى، «لكن يجب التأكد من أن لا يكون لأردوغان أي موطئ قدم في غزة».