الأحد 4/4/2010: الرمل ليس وحيداً هذا الرمل. تؤنسه صخرة وضعوها هنا وشجرة هناك ونبات عالق بالصخر. يزهر لوناً أزرق لمخاطبة البحر. الرمل هذا للبشر يزورونه، وليس انتظاراً مملاً من بداية الخلق. رمل لأقدام ولآثارها، لارتعاشة الجسد يتلقى لسان الموج. أبيض، لا أصفر ولا برتقالي، رمل مثل أول الخلق، ونحن رواد وطئه في مكان أنيق قريب، كان وحشياً وبعيداً. هذا الرمل أكثر تجليه في الليل. هو والبحر أبيض وأسود. نرى القسمة الكونية واضحة، لكن السماء لنا وحدنا. نقرأ أبراجها مثل بحارة يحاولون معرفة الجهات. وللرمل هذا جهة واحدة: الحب. الأول دائماً. نأتيه من أقاليم البراءة، مثل آدم وحواء داخلين في غابة الوجود. الاثنين 5/4/2010: الجاز والأسلوب كتب ناقد حديث عن شاعر حديث أن نصوصه بعيدة من لغة الشعر المتداولة. ولم يعرف القراء ما إذا كان الابتعاد هذا ميزة أم ضعفاً. الفنون لا تحتفظ بحيوية الجديد. تذهب الى تقليد ما، الى «عمود» ما، كما قالت العرب بعمود للشعر الكلاسيكي يبدأ بالبكاء على الأطلال والتغزل بالحبيبة لينتقل الى موضوع القصيدة أياً كان. وينتون مارساليس عازف وقائد فرقة للجاز في لويزيانا حاز على جائزة بوليتزر للموسيقى ويصفه النقاد بأنه «أسطورة الجاز في مطالع القرن الحادي والعشرين». هذا الفنان واجهه «جدار اللغة السائدة» أو «العمود» في مجال الجاز، لكنه أصر على تفرده وتناول ذلك في كتابه «كيف يمكن أن يغير الجاز حياتك»: «لا أعرف لماذا يُنظر الى الإبداع على أنه مجال غامض يقتصر على مجموعة صغيرة ومتخصصة من الأشخاص يُطلق عليهم اسم «مبدعون». عندما أقوم بتدريس فن الأداء المرتجل للأطفال وألاحظ خجلهم، أحاول طمأنتهم مؤكداً أن الأمر «في غاية السهولة». أقول: «ابدأوا بالعزف فقط. نعم، اعزفوا أي شيء يتبادر الى ذهنكم بصوت أعلى وبقوة أكبر! هذا جلّ ما في الأمر». وعندما يقدمون مقطوعة جديدة غير متناسقة لكنها نابعة من القلب، أشجعهم: «قلت إنها عملية سهلة، ستواجهون صعوبة إن أردتم أن تقدموا جديداً». والإبداع يحيط بنا في كل اتجاه، من اللباس الى اللغة، الى ... ليس من الضروري أن نعمل على اكتساب الإبداع، فالمرء يولد والإبداع كامن في كيانه. وما عليك سوى رعاية هذا الإبداع وإطلاق العنان له. لقد مُنِح كل منا القدرة على الإبداع التي يمكن أن تتجسد في أوجه عدة. والإبداع كالحلم، لا تستطيع السيطرة عليه، ولكن، في وسعك اختيار الحيّز الإبداعي الذي ترغب في إطلاع الآخرين عليه. كم مرة راودتنا أفكار خلاقة نفذها آخرون وحظيت بنجاح منقطع النظير؟ كم مرة طرحنا أفكاراً كانت محط سخرية لم يسمعها؟... في النهاية بعض الأفكار فقط يبصر النور ويحصد نجاحاً. إن احترام إبداعك الخاص يمثل الخطوة الأولى نحو تطور غير مسبوق في طريق إنتاجك الإبداعي الشخصي، وينطوي ذلك على احترام ما تستطيع فعله والوسائل الموجودة في متناولك لتحقيق ذلك. عندما بدأت عزف الجاز في ريعان شبابي، واجهت الكثير من النقد، حتى قيل إن ما أقدمه يفتقر الى الروح والمشاعر، مفرط في استخدام التقنيات ولا ينم عن خبرة. هذا النقد المستمر زعزع ثقتي بنفسي فشككت بكفاءتي وقدرتي على تقديم موسيقى جديدة ومختلفة. تحدثت للفنان سويتس إديسون أستاذ الترومبيت وموسيقى البلوز عن مخاوفي. سألني: «من أين أنت؟». أجبت: «من نيو أورلينز». سألني: «ما العمل الذي تمارسه منذ الصغر». أجبت: «العزف». سألني: «وما مهنة والدك؟». أجبت: «عازف». خلص الى القول: «ما الذي تريد؟ لماذا تريد أن تكون شخصاً مختلفاً عما أنت عليه في الحقيقة؟ كن على طبيعتك». كان ذلك أهم ما تعلّمت في حياتي. أن يكون المرء طبيعياً وأن يعطي لأفكاره قيمتها وأن يسعى الى تحقيق أحلامه». الثلثاء 6/4/2010: الجاز أيضاً كيف تصرخ عروق الحديد ثم تتراجع الى حنان وحنين. نحن أمام قصب الحضارة الحديثة تمرّ فيه أنفاسنا لتصير صوتاً معدنياً. كان صوت القصب في ما مضى نباتياً رعوياً. كان صوت القصب: الجاز في المدينة، والناي في الحقول. الأربعاء 7/4/2010: ما يرعب العالم إذا اعتبر القراء أخبار الانتحاريين وجرائمهم المجانية عادية فذلك يعني أن البشرية وصلت الى الانحطاط، وأن احترام الحياة دخل في النسيان، وأن الجرائم ممكنة الحدوث بلا رادع من ضمير أو ما يشبه الضمير في مجال القيم. لحسن الحظ لا تزال جرائم الانتحاريين تبعث على الدهشة وتدفع الى الاستنكار والتساؤل عما يدفع إنساناً الى الانتحار والقتل. وأبعد من الدهشة والاستنكار والتساؤل يتعاظم الشعور في العالم بصعوبة العيش مع المسلمين لأن الانتحاريين يرفقون جرائمهم بشعارات إسلامية. وليس ضرورياً أن تحدث الجريمة في بلاد أخرى كما في 11 أيلول (سبتمبر) فالمآسي التي يتسبب بها الانتحاريون لأهلهم الأقربين تصل أخبارها وصورها الى العالم باعثة النفرة والاشمئزاز. ويصم الناس آذانهم عن سماع ذرائع لهذه الجرائم غير مقبولة وإن استندت، كما تدّعي، الى نصوص دينية. في أخبار اليوم أن الشرطة العراقية اعتقلت فتى له من العمر 15 سنة كان يرتدي سترة ناسفة قرب مدينة الفلوجة في غرب العراق وأحبطت محاولته مهاجمة قوات أمن. وكشف التحقيق أن إحدى الجارات شجعت الفتى على تفجير نفسه قائلة إنه «سيذهب الى الجنة». وبعد استجواب الفتى استخدمت الشرطة الكلاب المدربة للعثور على الجارة المحرضة: «تمكنا من الإمساك بامرأة مشتبه بها رصدت عليها آثار مواد ناسفة». والشيء بالشيء يذكر، فاليوم أيضاً أفاد استطلاع للرأي في سياق حملة الانتخابات الرئاسية في النمسا، أن 54 في المئة من الأشخاص الذين شملهم يقولون إن «الإسلام تهديد للغرب ولأنماط حياتنا المألوفة»، فيما يعتقد 72 في المئة منهم أن المسلمين في النمسا «لا يتأقلمون مع قواعد الحياة الجماعية». ويرى 71 في المئة من النمسويين أن الإسلام «لا يتناسب مع المفهوم الغربي للديموقراطية والحرية والتسامح». ومن بين ناخبي اليمين المتطرف، يوافق 78 في المئة على القول إن الإسلام يشكل تهديداً. ويشاطرهم هذا الرأي 16 في المئة فقط من أنصار البيئة. كانت الأم تقول لابنها وهو يغادر البيت الى العمل: أدعو الله أن يحبب الناس فيك. ماذا تقول الأم اليوم لابنها الانتحاري أو لابنها الذي يخطب أو يكتب داعياً الى الكراهية والعمليات الانتحارية؟ الخميس 8/4/2010: الخيط خيط مشدود من المحيط الى الخليج. نمسك بالخيط، يرتجّ بموسيقى صاخبة. ننظر إليه بحرص خيفة أن ينقطع، فلا تبقى لنا موسيقى وندخل في المجهول. الجمعة 9/4/2010: هنا روما 16 فيلماً لفيديريكو فيلليني يعاد عرضها في بيروت. سينما المخرج الإيطالي متحركة جداً، صورها للواقع وللمتخيل أيضاً: كيف نعرض الذاكرة على شاشة ومعها الوهم والإحباط والأمل والخطأ والخطيئة. يتقصد المخرج موت الذكورة ووحشية التاريخ، ليصدم حنيناً الى الماضي بدعوى الخلاص من الحاضر. المرأة حاضرة أيضاً بأشكالها كافة: المرأة العمارة والمرأة الكوخ والمرأة في ألعاب المراهقة مع المهرجين المتبرجين وحركاتهم السحرية. أفلام لا يأتي بها سوى إيطالي حفيد لنيرون ولسبايا الأمبراطورية. هنا السينما وهنا روما عاصمة العالم القديم والوهم الحديث.