أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أخيراً مرسوماً مفاجئاً يقضي بإقالة 25 عضواً من مجلس أمناء مؤسسة الشاعر الراحل محمود درويش، بينهم رئيس المجلس وأمين سر «منظمة التحرير» السابق ياسر عبد ربه، ما شكّل صدمة لدى عائلة الشاعر وعدد من الأمناء والمثقفين والإعلاميين الفلسطينيين، وأثار جدلاً واسعاً بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي الذي اعتبر بعضهم الأمر تصفية حسابات بين الرئيس وعبد ربه لخلافات سابقة بينهما، فيما وصفه آخرون بأنه «انتهاك ثقافي». وذكرت وكالة «معا» الفلسطينية للأخبار الإثنين الماضي أن قرار الرئيس الفلسطيني الذي لم يُبقِ إلا على خمسة أعضاء من أصل 30 عضواً، شمل شقيق الشاعر أحمد درويش وعدداً من الشعراء والكتاب والشخصيات المعروفة، مثل غسان زقطان وخالد جمعة ومحمود شقير وخالد عليان وطلال عوكل وعبد القادر الحسيني وآخرين. ونشر الشاعر غسان زقطان تعليقاً عبر صفحته على «فايسبوك» جاء فيه: «أُبلغت في ساعة متأخرة من مساء أمس بإعفائي رسمياً من عضوية المجلس، والحقيقة أن علاقتي الطوعية بالمؤسسة كانت استكمالاً لصداقة عميقة مع الراحل الكبير، وهي صداقة لم تخضع إلى مراسيم ولم تأتِ من خلالها». أما عبد ربه، فاعتبر الأمر «انتهاكاً سياسياً وقانونياً ووطنياً، وسيكون له رد عليه». ويأتي إعفاء الأخير بعد شهور من إقالته من منصب أمين سر اللجنة التنفيذية ل«منظمة التحرير» الفلسطينية. وفي رسالة مباشرة إلى عباس، أبدت عائلة الشاعر الراحل قلقها إزاء تنحية عبد ربه المُنتخب مباشرة من قبل المجلس، آملين في تراجعه عن القرار الذي فيه «مسّ بمكانة درويش التي كانت دائماّ فوق أي خلافات داخلية». وأضافت الرسالة أن «الأمر كان يتطلب التشاور معنا مسبقاً، لا سيما أن متعلقات درويش كافة وإرثه الشخصي هي أمانة موجودة في المتحف» (في إشارة إلى متحف محمود درويش)، وفق اتفاق إعارة من منطلق الثقة بالأخ عبد ربه». واعتذر زكي درويش، الشقيق الثاني للشاعر، في رسالة مكتوبة بخط اليد عن المشاركة في المجلس الجديد، وطالب ب«عدم جعل المتحف والمؤسسة وسيلة لتصفية حسابات شخصية»، مشيراً إلى أن القرار فيه «شطب لعديد المثقفين والمبدعين وإقصاء للأخ عبد ربه». من جهته، استهجن الكاتب محمود شقير القرار في تدوينة على «فايسبوك»، قائلاً انه «من حقي الاعتراض لأنني لم أعرف عن حل المجلس إلا من مواقع التواصل! كان يمكن أن تتم الأمور، إذا كان لا بد منها، على نحو غير ذلك احتراماً للديموقراطية الفلسطينية، وتقديراً لثقافتنا الوطنية وحفظاً لكرامة مثقفين وإعلاميين بارزين في المجلس، وأكتفي هنا بذكر راكز جرايسي الذي حمل الراية من الراحل الشاعر توفيق زياد، وأخذ الناصرة إلى ما يليق بها من عز وفخر». وأضاف شقير أن «من حقي الاعتراض، ليس تشبثاً بعضويتي أو لأنني أمضيت أكثر من 50 سنة في خدمة الثقافة الفلسطينية، وإنما لأنني مواطن مقدسي يعيش في مدينة لها ظرفها الذي لا يخفى على أحد». أما الشاعر والكاتب خالد جمعة، فاكتفى بتعليق على «فايسبوك» مفاده انه «تم إبلاغي رسمياً بالإقالة»، في حين أعلن الروائي ربعي المدهون مقاطعته «أي نشاط ثقافي ينفذ في المتحف بترتيب مجلس أمناء تشكل في ضوء انقلاب ثقافي غير مسبوق». ووصف الإعلامي إيهاب الجريري مدير إذاعة «راية أف أم» القرار بال«مجزرة الثقافية»، قائلاً ان «إقحام مؤسسة ثقافية في تصفية الحسابات السياسية، أمر محزن ويثير أسئلة عن الغرض من هذه المجزرة الثقافية، وكأنه يتم التعامل معهم أحجاراً للشطرنج بدلاً من تكريمهم وتقديرهم وتأمين الاستقرار للمؤسسة. آمل ألا يتم تحويلها إلى مقر حزبي، فهي من حق هذا الشعب، والأجدى أن تصبح هيئة عامة مستقلة مسؤولة عنها بدلاً من تحكم السياسة فيها». واستهجن الصحافي خالد سليم غياب الخبر من الصحف الفلسطينية الرسمية الثلاث، وذكر أن «نميمة البلد الرئيسة الليلة الماضية هي موضوع الإقالة، فتشت الصحف الثلاث من الغلاف إلى الغلاف فلم أجد إشارة واحدة إلى الأمر، لم أجد إشادة أو غمزاً ولا أي شيء حول القرار، لم أفهم السبب، وكان يكفي لأي صحيفة أن تأخذ ما كتبه زقطان أو أحمد درويش ليكون الخبر كافياً». وفي إطار التفاعل مع القرار على مواقع التواصل الاجتماعي، وصف سلام قويدر القرار على «فايسبوك» بأنه «فوضى هدامة وتصحر الفكر والعقل والوطنية»، واعتقد جهاد عبدو أن «ما حصل هو نتيجة منطقية لنظام سياسي سيء فقدت فيه الفصائل والمثقفون والقيادات القدرة على التأثير لبناء ثقافة ونظام سياسي معقول». ووصف عدد من المتابعين القرار بأنه «جائر» و«مهزلة» و«غوغاء سياسية»، بينما اعتبر ساهر صرصور أن المؤسسة أصبحت «مملكة من ممالك الرئيس». وعلّق أحمد زرزير: «عام يذهب وعام يأتي وكل شيء يزداد سوءاً فيك يا وطني»، بينما كتبت جمانة حامد: «ما أوسع الثورة، ما أضيق الرحلة، ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة، رحم الله محمود درويش». وسخر يوسف ترتوري من الأمر كله بقوله ان «الحكاية كمن يريد إغاظة حماته!». أما عبد كتّانه فلم يكن مستغرباً من الخبر، بل من عدد أعضاء المجلس، وعلق: «30 عضواً؟ مع احترامي للمثقفين لكن العدد يكفي لتشكيل مجلس تشريعي!». وربط عبد الرحمن كتانة بين القرار وتعيين وزير الثقافة الجديد إيهاب بسيسو، بينما أيد سليم بسط فرضية الخلاف الشخصي بين الرئيس وياسر عبد ربه، معلقاً: «حتى أن أخا درويش أقيل! الموضوع شخصي. ذهب ياسر وذهب معه البقية». ولا تخلو أي قضية من بعض المؤيدين، إذ فسر عاطف عطارطة سبب القرار بأنه «إزالة لبعض الشوائب، وسيتم تشكيله من جديد خلال أيام»، فيما كتب أحمد رامي انه يجب «تجديد الطاقم والهمم». يذكر أن المؤسسة أنشئت في العام 2008 للمحافظة على ذكرى درويش، من خلال إقامة الندوات الأدبية وجمع تراث الشاعر وإعادة طباعته وتشجيع الأعمال الأدبية بشكل عام وإنتاجها بشكل خاص، إضافة إلى تشجيع البحوث الأكاديمية الأدبية عموماً، وأدب درويش خصوصاً، والعناية بالإنتاج الأدبي والفني الإبداعي، وفق ما جاء في تعريف المؤسسة عن نفسها على موقعها الإلكتروني.