بين أكوام الأسمال المكدسة على مقربة من سوق الصواريخ، مهوى أفئدة البسطاء ممن لفظتهم زحمة أسواق جدة من فئة الخمس نجوم، يقف محمد لتنهال نظراته بتمعن على قطعة ملابس هنا أو هناك عله يعود بما يفرح ابنتيه المراهقتين. محمد يعلم أن قطعة واحدة من تلك الممهورة بختم ماركة عالمية ستكلفه نصف راتبه الذي بالكاد يسد حاجة أسرته. لكن محمد يعلم أيضاً أن ابنتيه بحاجة لما تتزينان به حتى وإن كان في الحقيقة مجرد تركة لميت أراد أهله أن ينالوا الأجر من وراء إهداء ملابسه للفقراء والمعوزين ليجمعوها ويعطوها الجمعيات الخيرية لتجد طريقها بشكل أو بآخر إلى ساحات سوق الصواريخ. وفيما يواصل محمد التنقيب تأتي إليه ابنته ذات ال14 ربيعاً لترجوه أن يشتري لها قميصاً رأت مثله في أحد المولات وكان سعره يزيد على 200 ريال لتسأل البائع الأفريقي عن سعره فيرد بأنه ب20 ريالاً فيدسه محمد بفرح في كيسه البلاستيكي المهترئ. فلسفة محمد في ذلك بسيطة بقدر بساطة رواد سوق الملابس المستعملة، يقول بحماس واضح: بعض الملابس هنا تحمل ماركات عالمية مايعني أنها ذات جودة تسمح لها بالصمود في وجه الغسيل والارتداء المتكرر كما أنها تقدم بديلاً مقبولاً لماركات لانقدر على شرائها. محمد كغيره ممن جاء إلى هنا يدرك جيداً أن عينه بصيرة ويده لن تكون قصيرة كما كان يردد دوماً حين ترجوه إحدى ابنتيه أو كلتاهما أن يبتاع لهما شيئاً من مجمعات ضخمة ومكيفة انتثرت وبكثافة على طول شمال جدة. أما مخاطر العدوى بأمراض جلدية أو تنفسية فهي آخر ما يخطر على بال محمد وابنتيه. من جهته، أكد اختصاصي الأمراض الجلدية الدكتور مالك أبو عجوة أن دراسات حديثة أثبتت أن الملابس قد تكون سبباً للعديد من الأمراض التي تتراوح بين آلام الظهر والعدوى البكتيرية والإصابة بالإمساك والصداع، وأوضح أبو عجوة أن أمراضاً جلدية ناتجة من ميكروبات وطفيليات تظهر في الجلد على صورة بقع بنية أو بيضاء اللون، وقد تظهر على صورة قروح وحكة شديدة، ومن أشهر الأمراض الناتجة من الفطريات التينيا الملونة، وأخطر الطفيليات التي تنتقل من طريق الملابس من شخص لآخر القمل، عدا الأمراض الجرثومية التي تنتقل مع الرذاذ الذي قد يختلط بالملابس مثل السل والفطريات. وأشار إلى أن مرض الجرب يحتاج إلى تلامس مباشر بين شخصين لتتم العدوى، إلا أن بعض حالات الجرب انتشرت في بعض الأسر، ولم يكن هناك سبب للعدوى، سوى أن أحد أفراد الأسرة اعتاد على غسل ملابسه في المغاسل العامة. لكن مخاطر العدوى بأمراض جلدية أو تنفسية آخر مايفكر به محمد وابنتاه، فرأي الأطباء في نظره كقول تلك الأميرة : «ولماذا لا يأكلون الكعك إن كان لا يوجد خبز».