أمران على قدر كبير من الأهمية يجتمعان في مهرجان «أيام الفيلم العربي المتوّج» الذي يعقد دورته الأولى في قسنطينة، في الجزائر، خلال الفترة ما بين 18 – 23 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أولهما نباهة فكرة أن يتم تخصيص أيام لعرض الأفلام العربية المتوّجة بجوائز من غير مهرجان عربي ودولي، بخاصة إذا كانت هذه الأيام تنعقد في آخر الموسم السينمائي العربي سنوياً، مما يحقق الاحتفاء والاحتفال بهذه الأفلام الفائزة، ومنح الجمهور فرصة مشاهدتها جميعها على منصة عرض واحدة. وثانيهما رفع فضيلة التسامح رايةً وشعاراً، وهو أحوج ما تكون إليه شعوب هذه المنطقة، ما بين الخليج والمحيط، وهي تمخر عباب قلق وجودي ومصيري. فكرة صائبة هكذا، منذ اللحظة الأولى تبدو فكرة إقامة مهرجان «أيام الفيلم العربي المتوّج» صائبةً تماماً، على مستوى الفكرة والشعار، يعزّزهما الانتباه إلى أهمية المكان، مدينة قسنطينةالجزائرية، العريقة في التاريخ، القوية في الحضور والوجدان، ذات المآثر الكثيرة في عطاءات أبنائها من أعلام فكر وأدب وكفاح، وجمال عمرانها في البيوت والعمائر والمساجد والأسواق، وخصوصية موقعها، عاصمة للشرق الجزائري، ومدينة الجسور، التي تتعلق بها أهداب القلوب والأدب، فضلاً عن كونها «عاصمة الثقافة العربية» للعام 2015، لتكون للسينما حصتها الوافرة في عالم الثقافة. وإذا كان التنظيم، دقة وحُسناً، هو التحدي الأبرز الذي يواجه المهرجانات السينمائية، مع وجود عدد من الأفلام والنجوم والإعلام والجمهور، فإن «مهرجان وهران للفيلم العربي»، المُنعقد قبل أشهر قليلة (حزيران / يونيو 2015)، بيّن أن ثمة خبرة في تنظيم وإدارة المهرجانات السينمائية تعبّر عن نفسها بفصاحة، تجعل المُتابع مطمئناً إلى أن «أيام الفيلم العربي المتوّج»، ستكون إضافة للموسم السينمائي العربي السنوي، تجعل منه مسك الختام، وهو يختصّ بعرض الأفلام المتفوّقة، بعيداً من توتر المسابقات، والتشوّق لانتظار نتائجها، إذ ستكتفي «الأيام» بعرض الأفلام وإدارة الحوار والنقاش مع صنّاعها الحاضرين. في مؤتمره الصحافي، ذكر محافظ المهرجان إبراهيم الصديقي، أسماء الأفلام الروائية الطويلة المشاركة، ومنها: «جوق العميين» للمغربي محمد مفتكر، و«ديب» للأردني ناجي أبو نوّار، و«الفيل الأزرق» للمصري مروان حامد، و«تمبكتو» للموريتاني عبدالرحمن سيساكو، و«على حلّة عيني» للتونسية ليلى أبوزيد، و«المهاجران» للسوري محمد عبدالعزيز، و«الزيارة» للتونسي نوفل صاحب الطابع، و«بتوقيت القاهرة» للمصري أمير رمسيس، و«تحت رمال بابل» للعراقي محمد الدراجي، و«البئر» للجزائري لطفي بوشوشي. النظرة الأولى والسريعة تبيّن أننا حقيقة أمام باقة من أهم الأفلام العربية التي أُنتجت وعُرضت خلال السنتين الأخيرتين. حزمة زاهية من الأفلام من غير بلد عربي، مشرقاً ومغرباً، وتتوزع على مدارس واتجاهات سينمائية، حظيت جميعها بالاعتبار والتكريم والتتويج في غير مهرجان. كما تتميز هذه الباقة من الأفلام أنها بتوقيع سينمائيين وسينمائيات من جيل الشباب، بعضهم في فيلمه الأول، وبعضهم الآخر في فيلمه الثاني، ما يعزّز الرهان على مستقبل السينما العربية، الآتية بتوقيعات جيل الشباب، وهو يتسلّم الراية من جيل الرواد، ويخطّ مسيرته السينمائية وتميّز. شاشة ذهبية بهذه الاختيارات سيكون جمهور قسنطينة أمام شاشة ذهبية تتألق عليها بعض أهمّ الأفلام السينمائية العربية التي حققت حضوراً على المستوى العربي، وفاضت بحضورها خارجه، بخاصة حين ننتبه إلى عرض الفيلم القصير «موج 98» للمخرج اللبناني إيلي داغر، الذي نال السعفة الذهبية في مسابقة الأفلام القصيرة في «مهرجان كان السينمائي»، هذا العام 2015، في أول أنجاز من نوعه، وفي مجاله. وعلى مستوى موازٍ للعروض السينمائية، يبادر مهرجان «أيام الفيلم العربي المتوّج»، إلى عقد وتنظيم ملتقى «الأدب والسينما» الذي من المُنتظر أن يناقش هذه الإشكالية الفكرية النظرية المُرافقة لتاريخ السينما منذ لحظاتها الأولى، ولعل حضور صنّاع السينما يقود إلى البحث في الموضوع من الناحية العملية، في شقّيه: الأول المُتعلق بما نسمّيه «أفلمة الرواية»، وفضّ هذا الاشتباك، والثاني المتعلق بالإنتاج، بخاصة الإنتاج المُشترك، الذي يمكن للأدب أن يكون مُحفّزاً في سياقه. كما تعتزم «الأيام» الاحتفاء بدمشق، والسينما السورية، واستضافة وتكريم عدد من النجوم السوريين في مجالات السينما والتلفزيون والموسيقى، في إشارة إلى ما تعانيه سورية راهناً، من حرب طاحنة، وتنويهاً بالأفلام السورية التي حققت نجاحات خلال هذا العام، لعل أبرزها أخيراً فوز فيلم «بانتظار الخريف» للمخرج جود سعيد، بجائزة أفضل فيلم عربي في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، وفوز فيلم «المهاجران» للمخرج محمد عبدالعزيز، بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم روائي طويل في «مهرجان الكاميرا العربية في روتردام». وفي هذا السياق يُذكر أن كلاً من سلاف فواخرجي، وميادة الحناوي، وباسل الخطيب، وعباس النوري، وغسان مسعود، سوف ينضمون إلى النجوم العرب الذين سيحضرون، ومنهم: صفية العمري، وبوسي، وأنوشكا، ومادلين طبر، ولطفي بوشناق... وستكون ثمة حفلات موسيقية احتفاء بالمكرمين، وبدمشق، وقسنطينة، حيث ستتضمّن «الأيام» تكريم الموسيقار الجزائري نوبلي فاضل، والفنانة شافية بودراع، وتكريم أبرز فناني قسنطينة، الذين اشتُهروا من خلال المسلسل التلفزيوني «أعصاب وأوتار»، ومنهم (بحسب موقع «البلاد») محمد حازرلي، وعلاوة زرماني، ورشيد زيغمي، وفتحية سلطان، وبن محمد بشير، وحسان بن زيراري، مما يسلّط الضوء على الجانب الفني في مدينة قسنطينة، وفي الجزائر عموماً.