«مهرجان أبو ظبي 2010» اختتم فعالياته أول من أمس بحفلة تاريخية لأوركسترا لندن السمفونية بقيادة السير كولن ديفيس الذي يختتم بها خمسين سنة من تعاونه مع أشهر الفرق الأوركسترالية في العالم، وتردد انها حفلته الأخيرة قبل الاعتزال. وودعه الحضور في قصر الإمارات على وقع أعمال لموتسارت (افتتاحية زواج الفيغارو) ومندلسون (كونشرتو الكمان) وبرليوز، بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، ووزيرة التجارة الخارجية الشيخة لبنى القاسمي وعدد من وجوه المجتمع والسلك الديبلوماسي. وكان المهرجان افتتح في 20 من الشهر الماضي بالأوركسترا السمفونية لإذاعة بولندا وقدم أعمالاً لشوبان في مئويته الثانية، واحتوى برنامجه أعمالاً موسيقية عدة أبرزها أوبرا «لابوهيم» لبوتشيني التي قدمتها أوركسترا وكورال مهرجان بوتشيني المتخصصة بأعمال المؤلف الموسيقى الإيطالي جياكومو بوتشيني (1858 - 1924) والتي تتخذ من القرية التي ولد فيها (تري دل لارغو) مقراً لها. وجرى حجب بعض عروض المهرجان في فترة الحداد على الراحل الشيخ أحمد بن زايد آل نهيان الذي تسببت وفاته المفاجئة بحزن في الإمارات، لكن المهرجان استؤنف ليؤكد ارادة الحياة لدى المشرفين عليه برعاية ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وبتنوع العروض وحسن الاختيار أكدت دورة هذا العام ان السيدة هدى الخميس كانو (مؤسسة «مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون» والمؤسسة والمديرة الفنية للمهرجان) استطاعت أن تحول المهرجان الى تقليد سنوي اماراتي وعالمي، واعتبرت استضافة كولن ديفيس «شرفاً ينفرد به مهرجان أبو ظبي وخطوة في تأكيد أبو ظبي على قيادة نهضة ثقافية وفنية حديثة». ومن عروض المهرجان نشير الى «عبور على القانون» لمجموعة موسيقى الغرفة كامرتون الأرمينية قدمت في قاعة صغيرة حيث الفرقة المؤلفة من سبعة عازفين في مستوى الجمهور، ما شكل نوعاً من الالفة والعودة الى زمن التأليف الموسيقي القديم. وقدمت الفرقة أعمالاً لموتسارت وباغانيني وغاردل وختشادوريان وبيازولا وغونود وغيرهم بمساهمة آلة القانون الشرقية الى جانب الكمان والفيولا والتشيلو والكونترباص والبيانو. وكانت الفنانة هازميك ليلويان بدأت مبكراً بإدخال القانون في الريستيال الموسيقي الغربي، ونجحت الى حدّ أن الجمهور في أبو ظبي لم يشعر بأن القانون يشذ عن سائر الآلات في أداء المقطوعة الموسيقية. وبدت أوتار القانون مشدودة أكثر من المعتاد الذي عهدناه في الموسيقى الشرقية البحتة. وفي مجال مشابه وإن في مستوى أكبر (أوركسترا الجمعية الفلهارمونية المصرية التي قادها أحمد الصعيدي)، قدم المؤلف والعازف نصير شمة مع الأوركسترا مساهمته على آلة العود في أعمال من تأليفه وأخرى لسوبيه وفيفالدي وباغانيني. لكن نصير شما بدا أكثر توفيقاً في عزفه على العود مع فرقة أسطورة الجاز وينتون مارساليس الذي خاطب الجمهور قائلاً انها المرة الأولى التي «يتعاون» فيها مع العود. بدأ نصير شمة بعزف منفرد بوجود الفرقة، وقدم ما يقارب ايقاع الجاز، بل ما يقارب البلوز عندما «يحنّ» العود مذكراً بأجواء أندلسية. وعندما بدأ عزف الجاز كان مثل الجبل قرب العود، ولكن، في وقت لاحق لعب مارساليس وشما «ديو» مع تبادل أدوار بين الجاز والعود، وكان معهما البيانو حاضراً في الخلفية كنوع من ضبط ايقاع، وبدا عزف شمة في اطار الجاز ذا ايقاع اسباني قائم على الحركة الدائمة للأوتار مع ميل الى تلك الناعمة. وقال الأميركي مارساليس ان الفرقة تمرنت بعد منتصف الليل لمدة ساعتين مع نصير شمة، والعرض هو التمرين الثاني لهذه التجربة غير المسبوقة. وقال لنا نصير شمة ان عازفي فرقة الجاز اعتذروا عن الغزو الأميركي وآلام الشعب العراقي، اعتذار فنانين من فنان، لأن الفن في الأصل دعوة سلام لا حرب. وهدى الخميس كانو مؤسسة «مهرجان أبو ظبي» الذي ينمو ويتكرس سنة بعد سنة قالت انه «رسالة من دولة الإمارات الى العالم وملتقى تفاهم وحوار»، وانه «يشبه هذه المدينة الجميلة - أبو ظبي - ويعبّر عن معنى أهلها، مدينة التسامح والعطاء كما بناها الشيخ زايد». من ولاية لويزيانا الأميركية الى الصين واليابان يقطف مهرجان أبو ظبي جمالات الموسيقى ويحضرها الى جمهوره الذي يزداد يوماً بعد يوم، بقدر ما يرعى حواراً بين الفنانين في أفق انساني.