الراجح أن كثيرين في بلادنا يستخدمون الهاتف المحمول في شكل سيئ، ربما بحكم الثقافة والبيئات التي عاشوا فيها. وهذا الجهاز صُنع أساساً ل «تيسير» أمور الحياة، وبات لا يُستغنى عنه لما يقدمه للفرد من خدمات، خصوصاً تلك الخيارات التي تتجاوز الاتصال بالأفراد إلى التواصل مع بيئات رقمية مختلفة، كالمواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية، فضلاً عن الخدمات الإعلامية والمالية. فما هو في نظر سودانيين؟ خالد توفيق، مصمم صحافي، يتحدث عن اهمية الهاتف المحمول، قائلاً إن حياة الانسان ومنذ استيقاظه حتى منامه صارت مرتبطة بهذا الجهاز، حتى انه اصبح اقرب الى «السكرتير»، على رغم أن وظائفه الكثيرة لا تُستخدم كلها في السودان وخدماته ليست متاحة كلها. ويتوقّع توفيق تزايد الارتباط مع هذا الجهاز، وربما تزايد استخداماته السيئة، كالنغمة المزعجة، والرد على المتصل بصوت مرتفع، وانتهاك حرية المتصل والحضور... وتروي امونة سر الختم، وهي محررة صحافية، عن انزعاجها من سوء استخدام الموبايل: «في أحدى الحافلات، جلست فتيات على المقعد الأخير يستمعن الى اغانٍ هابطة تصدح عالياً من هاتف محمول. ولم يكتفين بذلك، كن يغنّين مع الجهاز غير مباليات ببقية الركاب الذين أبدوا استياءهم وعبّروا عن سخطهم... والأمر كان مزعجاً فعلاً ومربكاً في آن، لأن ما من شيء يحول دون هذا التصرّف... لا قانون ولا آداب عامة». وأمونة لا تمانع ان تستمع الفتيات الى ما يردن، ولكنها ترفض فرض الأمر على من هم حولهن. ولذا، ترى أنه لا بد لنا من نشر الوعي في التعامل مع «هذا الهاتف الذي لا غنى عنه». شاهيناز ونضال، جامعيتان اتفقتا على ان للجهاز ايجابيات كثيرة، «فهو يقلل من هدر الوقت، ويشكّل وسيلة مريحة لاستخدام الانترنت في أي زمان ومكان، إضافة الى تحميل الاغاني والكليبات». وهما توجّهان بعض اللوم الى بعض المتعلمين والمثقفين، باعتبارهم من طبقة مستنيرة، «ولكنهم يُعتبرون من اكثر الناس سوءاً في استخدام الموبايل، لأن بعضهم يُقدم على كتابة الرسائل اثناء القيادة، ما يرفع احتمال الحوادث، ومن الطلاب من يرسلونها أثناء المحاضرات، ما يضعف تركيزهم». وتشير الطالبتان الى ظاهرة اخرى، مرتبطة بالساعات المجانية الليلية في السودان، حيث يمتنع الشباب من الجنسين، عن النوم لاستغلال تلك الساعات «شر استغلال»، ما يتسبب بإخلالهم بواجباتهم في النهار. فاطمة توفيق، موظفة، تتحدث عن ظاهرة نشر الافلام الاباحية عبر اجهزة الموبايل وتشير إلى تفشيها في الاحياء، حتى بين صغار السن... «فتجدهم في الشوارع متحلقين حول جهاز يتهامسون ثم يحاولون إخفاءها». ويتحدث كمال تروة، اختصاصي اجتماعي، عن غياب اللياقة في استخدام الهاتف المحمول: «لعلنا نلاحظ جميعاً ان الحديث بالصوت العالي عبر الموبايل «يشي» بمشاكل اسرية، وبخاصة داخل المركبات العامة، وعدم الانتباه للحديث بصوت منخفض او اخطار المتصل بإرجاء الاتصال لحين الترجل، من الأمثلة على غياب الآداب واللياقات. وفي المقابل، ثمة من يريد تفادي ورطة ما، فيوحي للمتصل بأنه في مكان بينما هو في الحقيقة في مكان آخر». وبعض الناس ادمن على تغيير انماط الموبايل وموديلاته من «جيوبهم الضامرة»، إرضاءً للتباهي ليس الا، وعلى حساب الحاجة الاسرية الملحة. وقد يصل الامر الى الحرمان من تلقي العلاج او العجز عن دفع مصاريف دراسية. ومن ناحية الإيجابيات، يقول تروة إن شيوع الموبايل «جعله آلة لا يمكن الاستغناء عنها ووسيلة يسيرة للاتصال. ولا يمكن إغفال أثره الاقتصادي المهم، مثل تسهيله تحويل الاموال»، وهو أمر شاع بواسطة الجوال. كما ان شركات الاتصالات اصبحت تجني الارباح الطائلة نظير الاستعمال المكثف، اذ إضافة إلى الاتصال باتت تقدم خدمات الانترنت وغيرها، كما يقول.