يعود الناخبون الفرنسيون مجدداً إلى صناديق الاقتراع اليوم في الدورة الثانية لانتخابات المناطق، التي يُعد السؤال الأبرز في إطارها ما إذا كانت نتائجها ستكرّس الجبهة الوطنية (اليمين المتطرّف) في طليعة القوى السياسية الفرنسية على غرار ما آلت إليه نتائج الدورة الأولى الأحد الماضي. كما تترتب أسئلة أخرى على نتائج هذه الانتخابات، التي ستكون لها آثار واضحة على صعيد الخريطة السياسية الفرنسية، وتتناول قدرة اليمين على الصمود أمام الاختراق الواضح الذي أحرزته الجبهة في الدورة الأولى، ومدى تمكّن اليسار الحاكم من تقليص تراجعه في أوساط الرأي العام. وتصدّرت الجبهة الوطنية في الدورة الأولى بحصولها على 28،5 في المئة من الأصوات، وهي نسبة لا سابق لها لهذا الحزب المتطرّف والعنصري. وحلّ اليمين المعارض ثانياً (28 في المئة) واقتصرت حصة اليسار الحاكم على 25 في المئة. وعملياً، يعني هذا التوزّع للأصوات أن مرشّحي الجبهة حلوا في الطليعة في 6 مجالس إقليمية من أصل 17 مجلساً، فيما يأمل اليمين بالفوز في ما بين 6 إلى 7 مجالس، ويسعى اليسار ليبقى مسيطراً على نحو 5 أو 6 مجالس. وتبدو نتائج الدورة الثانية مرهونة إلى حدّ كبير بما إذا كان الناخبون سواء في اليسار أو اليمين، الذين صوّتوا لمصلحة الجبهة في الدورة الأولى سيصغون إلى الدعوات التي وجهت إليهم بقطع الطريق أمام مرشحيها، أم أنهم سيعيدون تأكيد ما عبّروا عنه في الدورة الأولى من غضب وعدم ثقة بالحزبين الرئيسيين اللذين يتناوبان على الحكم منذ عقود. كما أن هذه النتائج مرتبطة بما إذا كانت الانسحابات التي أقدم عليها رؤساء اللوائح الذين حلوا في المرتبة الثالثة، كافية لتجيير أصوات إلى لوائح الحزبين التقليديين. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد «تي أن أس- سوفريس» أن مرشّح حزب الجمهوريين اليميني كريستيان أستروزي سيفوز في الدورة الثانية، في مواجهة مرشحة الجبهة ماريون ماريشال لوبن في منطقة بروفانس آلب كوت دازور. كما سيفوز مرشّح الحزب الجمهوري كزافييه برتران في مواجهة رئيسة الجبهة مارين لوبن في منطقة نور بادوكاليي. وكان رئيسا اللائحتين الاشتراكيتين في المنطقتين انسحبا من الدورة الثانية داعيَين ناخبيهما للاقتراع لمصلحة المرشّح الجمهوري. موقف خالفه جان بيار ماسريه الاشتراكي في منطقة ألزاس شامبنيي أردين لورين، إذ أصرّ على المضي بحملته في مواجهة مرشحي الجبهة الوطنية فلوريان فيليبو والجمهوري جان كلود فريشيه. وفي ضوء هذا الموقف، فصل الحزب الاشتراكي ماسريه من عضويته، علماً أن المسؤولين الاشتراكيين شددوا في مواقفهم بين الدورتين على خطورة وضع ثقتهم بالجبهة، وهو ما بدا من خلال تصريح رئيس الحكومة مانوييل فالز، الذي حذّر من أن يقود اليمين المتطرّف البلاد إلى حرب أهلية في حال فوزه. ولم تبدِ مارين لوبن ليونة وتابعت حملتها الحادة على اليسار واليمين، متعهدة بتنغيص عيش الحكومة في حال فوز حزبها. وفيما الأنظار مركّزة على المناطق التي يمكن أن تقتحم الجبهة مجالسها، فإن معركة قاسية تدور في باريس حيث تسعى مرشحة الجمهوريين فاليري بيكريس إلى الفوز على الاشتراكي كلود بارتولون، علماً أن الاشتراكيين يسيطرون على هذا المجلس منذ نحو 17 سنة.