على رغم التهديدات المتبادلة بين اسرائيل وسورية، في أعقاب عملية التفجير التي وقعت في منطقة الجولان السوري المحتل، الا ان احداً غير معني، في هذه المرحلة على الأقل، بتصعيد عسكري يوصل الى حرب في المنطقة. وقد تبادلت الأطراف الثلاثة، الحكومة السورية و«حزب الله» واسرائيل، الرسائل الواضحة في هذا الاتجاه، عبر قوات فك الارتباط وال«يونيفيل» في الجولان ولبنان. التدهور التطور السريع الذي شهدته المنطقة، والذي جاء في أعقاب اربع عمليات عند الحدود، خلال الشهر الجاري، واحدة منها قبالة لبنان، جعلت قراءة الاوضاع في هذه المنطقة الحدودية مختلفة. واذا كانت التهديدات في السابق تطلق لمجرد محاولة اسرائيل الحفاظ على قوة ردع الطرف الآخر، فانها هذه المرة لا تخفي خشيتها من وقوع تدهور، رغم التأكيد ان رغبتها كما رغبة سورية و«حزب الله»، عدم ادخال المنطقة الى حرب، قد تكون ملامح بدايتها واضحة لكن احداً لا يستطيع معرفة نهايتها وطبيعتها. في اسرائيل شهد يوم الاربعاء، أي اليوم التالي لعملية التفجير في الجولان وبعد ساعات على قصف سلاح الجو، فجراً، لمواقع في سورية، مشاورات مكثفة بحثت خلالها الاجهزة الامنية والمسؤولون السياسيون والعسكريون، سبل التعامل مع الجبهة الشمالية. وعلى رغم الاختلافات في وجهات النظر، فقد خرجوا كلهم في موقف موحد بضرورة تغيير قواعد اللعبة نحو سياسة جديدة يميزها الرد الحازم والقاسي والفوري على اية عملية اعتداء. وعندما تتحدث اسرائيل عن الجبهة الشمالية فهي تضع على رأس اهدافها «حزب الله» ثم سورية والأسد. ففي عملية التفجير الاخيرة، لم تعرف هوية المنفذين. والتوقعات الاسرائيلية بدات باتهام «حزب الله» مروراً بالجيش السوري وحتى الجهاد العالمي. ومع ان سلاح الجو قام بقصف اهداف سورية، الا ان «حزب الله» بقي المتهم الرئيسي لدى المسؤولين الاسرائيليين. بنيامين نتانياهو، استهل جلسة الحكومة بالتهديد والتحذير ولم ينهِ حديثه قبل ان يذكر ان الحدود الشمالية تجاه سورية كما تجاه لبنان، مكتظة بعناصر «حزب الله» وتنظيمات، وصفها بالإرهابية، وهو أمر ترفض اسرائيل قبوله. بل ان نتانياهو حذر الرئيس السوري برد قاسٍ، اذا لم يتخذ خطوات تبعد التنظيمات الارهابية عن منطقة الحدود. الأبرز في معالجة اسرائيل لعملية التفجير الأخير هو جعل «حزب الله» هدفاً لها وطرحه كطرف مخطط ومنفذ لهذه العمليات، على رغم انها تنفذ من الحدود السورية، وذلك لقناعة اسرائيلية ان الامين العام ل «حزب الله»، حسن نصر الله، لا يريد ان يحمل حزبه المسؤولية وبالتالي يكون المبادر لأية مواجهة او حرب مع اسرائيل، وفق ما يجمع عليه العديد من العسكريين والخبراء. فهؤلاء لا يخفون حقيقة ان الوضع هذا الشهر مختلف عند الحدود الشمالية. حتى ان بعضهم راح يستذكر فترة التواجد الاسرائيلي داخل الحزام الأمني في جنوبلبنان، في الثمانينات والتسعينات، وهو ما ساهم في احتدام النقاش واختلاف التوقعات، لتعلو اصوات محذرة من خطر جدي وحقيقي لتدهور شامل. والبعض وصف المنطقة كمن تجلس على برميل من بارود. اسرائيل، وكما شدد مسؤول عسكري، تعاملت منذ الحرب السورية، بسياسة ضبط النفس. وقد شهدت المناطق المحاذية للحدود تجاه الجولان السوري المحتل، عمليات سقطت خلالها صواريخ، على بلدات ومستوطنات الجولان. وفي بعض الاحيان كانت اسرائيل ترد في شكل بسيط او حتى لا ترد بتاتاً. بل علمت «الحياة» من بعض سكان الجولان المحتل انه خلال الشهر الجاري سقط صاروخ من الطرف السوري بين البيوت، وقد وصل الجيش وأجرى فحوصات وتحقيقات ولم يكشف عن الموضوع وتعامل معه، وكأن شيئاً لم يكن. اما العملية الاخيرة التي استمر فيها الرد الاسرائيلي حتى فجر الاربعاء، فتبين للاسرائيليين انها مؤشر لارتفاع احتمال تدهور عسكري في المنطقة. وقد تسرب عن مصادر عسكرية ان الجيش استعد لقصف اكثر شدة، عندما ظهرت حالة خطورة الجندي الرابع وجرى الحديث عن عدم قدرة الاطباء على انقاذ حياته. وهذا انعكس في التصريحات التي أطلقها رئيس اركان الجيش، بيني غانتس، الاربعاء، بعد ساعات من انتهاء القصف الاسرائيلي على سورية، ومن موقع الحدث في الجولان المحتل، عندما أعلن ان الوضع اخذ بالتصعيد وبأن جيشه مستعد لأي تدهور طارئ وسريع. وانضم الى نتانياهو ويعالون، اللذين سارعا لزيارة الجنود الجرحى في المستشفى، بمرافقة كاميرات التلفزيون، في تهديداته ل «حزب الله» وسورية لدى قوله ان الطرف الآخر يخطئ عندما يحاول، او مجرد ان يفكر، في المس بإسرائيل وأمنها. لكن لهجة التهديد هذه لم يقبلها جميع الاسرائيليين، خصوصاً اولئك الذين يعرفون حسابات الجيش الاسرائيلي الحقيقية ومدى امكانية الخوض في حرب جديدة، سواء تجاه سورية او «حزب الله». والكثير من الاسرائيليين على قناعة بأن قيادتهم تضع كل مخططاتها حتى تضرب في نهاية الامر «حزب الله»، كونه الهدف الاساس والمركزي لها، ولكن ليس الآن. فهم يتمتعون بمشاهدة الجيش السوري و«حزب الله» يستنزفان قوتيهما في الحرب الداخلية. وكما قال الضابط السابق في سلاح الجو الاسرائيلي، ومدير مركز دانيئيل أبراهام للحوار الإستراتيجي رؤوبين بدهتسور، فإن الاسرائيليين سيتمنون ان يبقى الامين العام ل «حزب الله»، غير معني بتوجيه ضربة الى اسرائيل. ويضع بدهتسور أسباباً اضافية فيقول: «اي رد اسرائيلي قاسٍ وواسع على «حزب الله» وسورية سيدخل المنطقة في حرب تتعرض فيها اسرائيل يومياً الى ما بين ثلاثة آلاف واربعة آلاف صاروخ وفي المقابل فإن ما تملكه من منظومات دفاع لحمايتها من الصواريخ، التي في حوزة «حزب الله»، غير قادرة على مواجهة هذه الصواريخ، وهو أمر يعرض الجبهة الداخلية الى مخاطر كبيرة تعرفها القيادة جيداً ويتوجب عليها اخذها بالحسبان عند اتخاذ اي قرار لها». ويذكر بدهتسور المسؤولين بتفاصيل الخطة التي وضعتها اسرائيل في حال وقوع حرب وفي مركزها احتلال جنوبلبنان قائلاً: «الخطة التي وضعتها اسرائيل تحتاج الى ثلاثة اسابيع على الاقل كي تتمكن من تطهير جنوبلبنان من عناصر «حزب الله». ولكنها لن تتمكن من تدمير المخابئ والانفاق التي انشأها «حزب الله» تحت الأرض بواسطة القصف الجوي. كما انها تواجه مشكلة تكمن في استخلاص «حزب الله» للعبر من حرب 2006 وقيامه بتوزيع مخزونه من الصواريخ على 200 قرية وبلدة لبنانية، ونصبها في مبانٍ سكنية. ويضيف بدهتسور قائلاً: «اسرائيل حتى في الحالات التي يملك فيها جيشها معلومات استخبارية دقيقة عن المكان، ستواجه معضلة شديدة وهي هل تقصف مئات البيوت مع سكانها لإصابة الصواريخ؟». وفي تحليله للوضع يقول الضابط السابق في سلاح الجو الاسرائيلي: «الصواريخ قصيرة المدى منتشرة في انحاء جنوبلبنان. ولا يمكن القضاء على عشرات آلاف قواعد اطلاق هذه الصواريخ من الجو. وفي يد «حزب الله» في الحاصل العام نحو 70 ألف صاروخ وهذا مخزون يُمكّنه من الحفاظ على معدل اطلاق مرتفع مدة طويلة. ويجب أن نتذكر أن «حزب الله» نجح خلال حرب لبنان الثانية في إطلاق صواريخ لمدة شهر».