في بلدة «وقاص» النائية على الأطراف الشمالية للغور الأردني الذي يعاني الكثير من سكانه الفقر والجوع إلى جوار مزارع الخضر والموز التي يملكها كبار التجار، ويعملون فيها بأجور مياومة زهيدة وسط أجواء حارة معظم أيام السنة، تلحظ شباناً بين الفينة والأخرى، معظمهم جامعيون يوزعون مواد غذائية على الأطفال والأمهات فيما يتسلق آخرون جدران بيوت متهالكة في محاولة لترميمها. «رؤيتي لطفل حافي القدمين وممزق الاسمال يلحق بأمه ويطلب منها شراء البسكويت استفزتني، وجعلتني أفكر في كيفية مساعدة سكان بلدتي الفقيرة»، يقول عثمان البشتاوي. ويضيف البشتاوي: «راودتني فكرة أن أقوم بجمع ما في بيت أهلي من مواد غذائية لتوزيعها على أطفال البلدة، غير أنني اصطدمت بالعدد الكبير من الفقراء في البلدة، والذي لا يمكن معه أن أستطيع أن أحل المشكلة ولو موقتاً». ويقول: «فكرت كثيراً فلم أجد غير أن أبحث الموضوع مع زملائي في الجامعة من أجل إيجاد حل، فوجدت حماسة منهم للتعاون معي في جمع تبرعات من ذويهم ومن تجار في أماكن مختلفة ضمن مبادرة تحت عنوان «كسرة خبز». ويوضح البشتاوي الذي لا يزال يدرس في كلية الآداب في جامعة اليرموك في مدينة اربد (80 كلم شمال العاصمة عمان) أن «مشاهداته وزملاءه لأوضاع السكان في القرية كشفت عن أن السكان لا يعانون فقط من نقص المواد الغذائية والملابس، بل إن بيوتهم متهالكة وتكاد تسقط على رؤوسهم». ويقول إن الشباب الذين بدأت بهم المبادرة والبالغ عددهم خمسة شباب والآن أصبحوا بالعشرات حاول كل منهم استخدام مهاراته ومعارفه التي كسبها من المهن التي يمارسها ذووهم في توسيع نشاطات المبادرة وخدماتها»، مشيراً إلى أن «بعضهم عمل في البناء أو الدهان من أجل ترميم البيوت المتهالكة». ويضيف: «حاولنا إعطاء أولوية في نشاطاتنا للبيوت الأكثر حاجة للترميم»، مشيراً إلى ان» الكثير من البيوت لا تزال تحتاج إلى ترميم، على رغم أن شباب المبادرة أصلحوا الكثير من هذه البيوت». ويشير إلى ان» المبادرة استطاعت وعلى رغم قلة الإمكانات المادية ومحدوديتها، أن ترمم أكثر من خمسة وعشرين منزلاً». ويتقلب ثلاثة عشر ألف نسمة في «وقاص» على فصول الحياة، من دون أن تتغير ظروفهم، سوى من بناء مدرستين ثانويتين، وثلاث مدارس أساسية، فيما تشير الأرقام الرسمية إلى وجود عشرات العائلات في سجلات وزارة التنمية الاجتماعية؛ يعانون سوء ظروفهم المعيشية. ويوضح البشتاوي أن» فكرة المبادرة جاءت من واقع المعاناة التي يعيشها سكان المنطقة، الذين لا يزال العديد منهم يعيش في بيوت من الطين ويعانون الفقر وسوء الخدمات». ويقول أن «ترميم البيوت الآيلة للسقوط يتم من خلال جولات ميدانية يقوم بها الشباب مشياً على الأقدام على بيوت الأسر الفقيرة، لدراسة وضع تلك البيوت وحال أسرها، سعياً لتغطية أكبر عدد ممكن من المنازل». ويؤكد البشتاوي «عدم اقتصار جهود المبادرة على ذلك فحسب، وإنما تقوم ومن خلال فرق من الشباب بتنظيف المقابر والمساجد وزراعة الأشجار فيها وتنظيف المرافق العامة، إلى جانب توزيع المعاطف والحرامات على العائلات الفقيرة في فصل الشتاء». ويضيف أن أعضاء المبادرة يواصلون نشاطاتهم على مدار السنة وعدم اقتصارها على موسم معين خلال السنة؛ إذ تواصل نشاطها في الشتاء وفي رمضان وخلال موسم الأعياد، إلى جانب حملة «دفتر وقلم» التي تقوم بها المبادرة عند بدء العام الدراسي الجديد فتوزع القرطاسية على جميع طلاب المدارس، إلى جانب دعم ما قبل الشتاء والذي يستهدف العديد من الأسر التي دمرت العواصف بيوتها. وتقدم المبادرة دورات تدريبية مجانية للشباب من قِبل مدربين متخصصين مثل دورات حول كيفية إدارة الحوارات ومهارات الحياة والعصف الذهني، إضافة إلى عقد محاضرات للشباب بحضور مدربين متخصصين، علاوة على قيام الفريق التطوعي في المبادرة بإعطاء ورش عن العمل التطوعي في مختلف المدارس بهدف تحفيز الطلاب وتعريفهم بأهمية العمل التطوعي. ويلفت البشتاوي إلى حاجة المبادرة لداعمين ماديين لتوفير المساعدات الإنسانية في شكل أوسع لتشمل عدداً أكبر، متمنياً على مؤسسات القطاعين العام والخاص التنبه إلى أهمية دور المبادرة بما تحققه من رضا مجتمعي والتخفيف من واقع الأسر الفقيرة وتقديم الدعم لها لتتمكن من توصيل الخدمة إلى أكبر عدد ممكن.