أن تعيش مهزوماً يعني أن تموت كل يوم. تلك هي الكلمات التي تمثل قوام فلسفة المستقبل الاستراتيجي الإيراني، وذلك هو المبدأ الدافع نحو الانطلاق والعاصم من الانزواء والانكسار، وها هو أوباما يتحسس طريقه مجدداً نحو إيران بعدما توج الفشل جهوده الرامية لاحتوائها منذ أن تبوأ مكانه في البيت الأبيض، ففي كلمات تعلوها البلاغة ويكسوها الخداع اللفظي وفن تجاهل الحقيقة نراه يقرر باسم الامبراطورية قائلاً: إننا نحرك قوس التاريخ باتجاه العدالة، ذلك ليمنح الشعوب تلك الثقة بديمومة المجد الامبراطوري المنسابة عبر المد الزمني من جورج واشنطن وحتى تلك اللحظات التي يتجلى فيها أوباما للعالم طامساً حقبته الهلامية غير المنتمية الى التاريخ الأميركي في شيء! ففي حالة من الاستخفاف السياسي قدم أوباما حزمة من الإغراءات أولها هو التزام واشنطن الصارم بالمستقبل الواعد والأكثر تفاؤلاً للشعب الايراني من طريق الاسهام في توفير منح تعليمية ثقافية والمزيد من الدعم الدائم لحقوقهم وحرياتهم في استخدام طرائق الشبكة العنكبوتية كافة وسماح واشنطن بتجديد المعدّات المرتبطة بهذه الشبكة، انطلاقاً من إيمان الامبراطورية الراسخ بكرامة البشر وتدشين نظام دولي يستهدف تجسيد العدالة وسيادتها. وعلى صعيد آخر، طرح أوباما تلك الرغبة الحميمة لإدارته في إجراء حوار خاص يستثمر مفردات الحوارات السابقة ويعمل على تحويل نقاط الخلاف إلى محاور رضى والا تحتم ضرورة السعي لتغليظ العقوبات على إيران للحيلولة دون امتلاكها السلاح النووي، وفي إطار المألوف من الدولة الفارسية جاء الرد عاصفاً ومندداً بأي قوة يمكن أن تسوقها وساوسها إلى المساس بها، لا سيما إذا كانت هذه القوة الطائشة هي واشنطن. ولعل جدليات السياق الإيراني - الأميركي في تحوراتها الآنية إنما تدفعنا نحو معرفة هل يمثل الدور الأميركي نوعاً من الاستجداء السياسي لترويض الحماقة الإيرانية؟ ومنذ متى وقوى التاريخ الذي تحركه واشنطن تسير باتجاه العدالة؟ وما هو مفهوم العدالة في الرؤية الأميركية؟ ألم تسر واشنطن سيرة ستالين في مقولته: إن موت رجل واحد يعد مأساة، لكن مقتل الملايين يتحول إلى إحصائية؟ وما جدوى إصرار واشنطن دائماً على محاولة إيجاد صيغة حوارية يلتف حولها الأطراف؟ ولماذا استغرق التلويح بالحرب أمداً غير قصير؟ وهل تتوافر النيات الجادة نحو ذلك؟ ولماذا لم تنجذب إيران ولو مرة واحدة لوطأة الاغراءات السابقة والحالية؟ ولماذا يشكل حصول طهران بخاصة على السلاح النووي حساسيات كبرى لدى واشنطن؟ ولماذا تصر إيران على التفريط في أي شيء إلا الحق النووي؟ وما هي المعادلة النفسية التي تعتمد أن يكون رد الفعل من قبل إيران أشد وأعنف كثيراً من أفعال واشنطن؟ من ثم هل نجح أوباما مجدداً في تكريس رصيد الكراهية لدى الشعوب العربية والإسلامية تجاه الامبراطورية، كما نجح في كسب ثقة الدولة اليهودية بتكريسه نظرية الأمن المقدس؟ وهل استبان لتلك الشعوب يقيناً أن ما سمي بعملية السلام إن هو إلا من لغو الحديث؟ وما هي أسس الموقف الأميركي تجاه الدول الداعمة للبرنامج النووي الإيراني، ومنها اليابان التي تمثل ضلعاً محورياً وركيزة مهمة للاقتصاد الأميركي؟ وعموماً، فإن العالم العربي والإسلامي كان وسيظل رهن الاتهامات الغربية على اختلافها وتعددها لأنها كانت دائماً هي الذرائع التي استطاع الغرب النفاذ منها حتى الأعماق وقد انبنى على ذلك أن تشعبت مشاكله وأزماته وبات يعاني ورطة كبرى اكتملت عناصرها وأحكمت قبضتها على مستقبله الاقتصادي والسياسي والثقافي والاستراتيجي، وعلت أصوات تندد بالأوضاع في الشرق الأوسط كان آخرها هو صوت الكاتب البريطاني برايان ويتيكير خلال كتابه التحليلي الفذ «أين يكمن الخطأ في الشرق الأوسط؟». ذلك بعد دراسة ميدانية مستفيضة عن أحوال هذا الشرق ومشكلاته وأزماته والأسباب الفعلية لها طارحاً تساؤلاً مختصراً هو: هل ستأتي الحلول من الداخل أم ينتظر استيرادها من الخارج؟ ومنتهياً إلى أن الحلول الناجعة لا بد من أن تأتي من الداخل باعتبار أن ليس هناك دافع ما لدى الغرب للانغماس في تلك المشاكل، من ثم طرح بدائل لحلها ما لم تكن لذلك انعكاسات إيجابية ومردودات مادية. من ثم، فإن دعاوى أوباما لتقويض البرنامج النووي الايراني انما هي قضية يجب أن تستوقف عالمنا العربي والاسلامي ليستبصر أين الخطأ، لأن مسألة تشخيص الأخطاء هي مسألة نسبية في الأساس. * كاتب مصري