للبريطانيين الذين فاتهم تحذير وزارة الخارجية البريطانية الذي يشدد على عدم تسليم الجوازات البريطانية لأي جهة رسمية إسرائيلية إلا في حالات الضرورة القصوى خوفاً من تقليدها، أعاد برنامج «بانوراما»، الذي يعد أحد أشهر البرامج البريطانية الإخبارية، التحذير ذاته في اختتام حلقة الاثنين الماضي على شاشة «بي بي سي الأولى». الحلقة حملت عنوان «دبي: جواز سفر للقتل» وخصصت للحديث عن اغتيال الفلسطيني محمود المبحوح في دبي. واختارت إدارة البرنامج الإعلامية البريطانية المعروفة جين كوربن، للتحقيق في هذه القضية المعقدة، والتي يكاد السيناريو الذي قدمته عنها السلطات الأمنية في دبي يقترب من سيناريو فيلم بوليسي يتأرجح بين الجودة العالية أو الجنوح للمبالغة. فالجريمة التي نقلتها كاميرات دبي الأمنية والمركبة في المطارات والفنادق ومحال التسوق، جمعت وسائل الإجرام القديمة التي تقترب من التقليدية (وضع باروكة سيئة في حمام الفندق)، والقسوة والحزم لأجهزة استخبارات لا تكلّ قبل أن تترك أهدافها جثثاً باردة على الأرض. واختارت المقدمة، أن تتنقل في الدول نفسها التي شهدت تحركات القتيل والمجموعة التي قتلته، إذ سافرت الى دمشق التي سافر منها المبحوح الى وجهته الأخيرة في دبي، ثم الى دبي التي أعادت فيها تقديم الجريمة، مع زيارتين لغزة، مدينة المبحوح الأولى، وإسرائيل، الدولة التي أصدرت قرار قتل الفلسطيني. تقول جين كوربن إن اللقاء الذي أجرته مع خالد مشعل في دمشق، هو اللقاء الأول لزعيم حركة «حماس»، والذي يتحدث فيه عن اغتيال المبحوح. لكن الأهمية والإثارة لم تكن في تصريحات مشعل التي لم تخرج عن الشجب ونفي تهمة الاتجار بالسلاح التي تزعم إسرائيل أن المبحوح كان متورطاً بها، بل في إعادة تمثيل الجريمة والمفاجآت. ففي نهاية الحلقة تفشل المقدمة في الاتصال بالأوروبيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، والذين سرقت جوازاتهم ويعيشون في إسرائيل. وفجأة، وأثناء وجود المذيعة البريطانية في إسرائيل، يُقطع الاتصال بكل أرقام المجموعة على رغم أن كورين كانت نجحت في الاتصال ببعضهم في بداية زيارتها لإسرائيل. وخلافاً لمعظم البرامج التلفزيونية العربية التي ركزت على جريمة الاغتيال، بخلفياتها السياسية والتاريخية، وتأثيراتها على أمن مدينة مثل دبي، لم ينس البرنامج البريطاني أن يعود قليلاً الى الماضي، وكيف أن الاغتيال الأخير هو جزء من معركة طويلة غير متكافئة بالطبع بين إسرائيل والفلسطينيين. فالبرنامج قدم لقاء مع شقيقة الجندي الإسرائيلي الذي قتل قبل حوالى عشرين عاماً، واعترف المبحوح في مقابلة تلفزيونية مع قناة «الجزيرة» العام الماضي بمسؤوليته عن العملية، بل وصف في تلك المقابلة التي أخفى فيها وجهه تحت الكوفية الفلسطينية، كيف أن الدم، انفجر من عنق الجندي، بعد إصابته بسكين المجموعة الفدائية. المقدمة البريطانية زارت أيضاً بيت عائلة المبحوح في المخيم الفلسطيني البائس نفسه، والذي شهد ولادة المبحوح ونشأته. لم تخف عائلة المبحوح في حديثها مع البرنامج، أنها كانت تتوقع خبر مقتل ابنها منذ عشرين عاماً، أي منذ فراره بعد عملية قتل الجندي الى سورية، واستقراره هناك. وهم بدوا متأكدين –بالطبع- من مسؤولية «موساد» وعرب متعاونين معه في مقتل ابنهم في فندق النجوم الخمسة في دبي. وحتى مع عدم نفي إسرائيل أو اعترافها بتنفيذها عملية الاغتيال، وعدم القبض على الجناة، يبدو من الصعب لأي تحقيق صحافي يتناول الاغتيال، أن لا يتوجه ل «موساد» بالاتهام، وهذا ما فعله البرنامج البريطاني أيضاً. لكنه قدم مع ذلك حلقة متوازنة ومثيرة الى درجة تقطع الأنفاس، وبخاصة في المشاهد التي أعادت تمثيل الدقائق الأخيرة قبل الاغتيال، والتي تبقى على رغم كل التاريخ الدامي للمنطقة، قاسية لدرجة مرعبة. فالمبحوح الذي تظهره الكاميرات، يصل الى الفندق كنزيل عادي في منتصف عمره يحمل أكياس تسوقه، سرعان ما يجد الموت في انتظاره في غرفة آمنة.