لم تجد وفاء مكاناً تلجأ إليه ويؤويها، إلا أزقة الشوارع الضيقة وبيوت المحسنين الذين يتصدقون عليها، ويعطفون عليها لبضعة أيام. فيما يتجاهل كفيلها وجودها غير مبال في مصيرها، أو كيف تعيش؟ وأين تسكن؟ على رغم أنها لم تعمل سوى شهرين فقط، من دون أن تحصل على حقوقها كاملة، كما تدعي. وحضرت وفاء، وهي مقيمة سورية، إلى المملكة منذ عامين للعمل خياطة في مشغل نسائي في منطقة القصيم، بعد أن سافر كفيلها إلى سورية وأقنعها بالعمل لديه في مشغله الخاص. وتقول: «وافقت بعد محاولات كثيرة على العمل. وجئت إلى المملكة. ولكنني لم أكن أعرف أنني أسير إلى المجهول، وأنني سأقع في حفرة لا خروج منها، فلا مال أو مأوى يحتضنني». وتضيف وفاء بنبرة خانقة، ودمعة منكسرة، «وصلت المملكة في أيلول (سبتمبر) عام 2008، للعمل في أحد المشاغل الخاصة في القصيم، الذي يملكه كفيلي (تحتفظ «الحياة» باسمه)، والذي كان يخشى من تعرضه إلى خسائر كبيرة في الموسم، نتيجة لعدم وجود خياطة جيدة لديه. واتفقت معه على العمل مقابل 1400 ريال شهرياً. وبعد مرور شهرين على ذلك، فوجئت به يطلب مني الذهاب برفقته وأسرته إلى الرياض، لشراء بعض الحاجات من هناك. واكتشفت لاحقاً، أنه اصطحبني إلى أحد المشاغل النسائية في الرياض، ووضعني فيه، وعرفت أنه أبرم اتفاقاً مع صاحبة المشغل، على نقل كفالتي إليها، في مقابل مبلغ 16 ألف ريال». ولكن وفاء رفضت نقل الكفالة، بحجة أنها «لا أريد العمل لدى مشغل آخر، خصوصاً أن صاحبة المشغل تريد مني العمل في مهنة «كوافيرة»، التي لا أجيدها، وإذا كان كفيلي لا يرغب في عملي، فعليه ترحيلي من السعودية إلى بلدي». وتتابع: «بقيت في مشغل الرياض مدة 15 يوماً، وكنت ممنوعة من مغادرته. وحاولت غير مرة الخروج، إلا إن حراس الأمن منعوني من ذلك، بحجة أن صاحبة المشغل هي من أصدرت هذه الأوامر»، مشيرة إلى أنه بعد المحاولات المتكررة الفاشلة من كفيلها، بإقناعها بالموافقة على نقل الكفالة، «تمكنت من الخروج من المشغل، والذهاب إلى مركز شرطة العليا، وتسجيل محضر بذلك، وأبلغتهم بأن كفيلي أخذ هويتي، ولم يعطني مستحقاتي المالية، وحرّر بلاغ هروب ضدي، إلا أنهم أكدوا لي أن البلاغ يعتبر لاغ نظراً إلى حضوري، وتم توجيه خطاب من الشرطة إلى مكتب العمل، باتخاذ اللازم، والنظر في القضية، بحكم أنها جهة الاختصاص». وتلفت وفاء إلى ان المعاملة بقيت لفترة طويلة في مكتب العمل، من دون الوصول إلى أي حلول، فالكفيل يرفض ترحيل وفاء على رغم كل المحاولات المتكررة من مسؤولي مكتب العمل بإقناعه لترحيلها، «لم يعد يرد على الاتصالات، فتقدمت بعد ذلك بشكوى إلى إمارة الرياض، ووزارتي الداخلية والخارجية السعوديتين، والسفارة السورية في الرياض، التي بدورها وجهت خطاباً إلى وزارة الخارجية السعودية، للنظر في الدعوى المقدمة مني ضد كفيلي». كانت الصدمة الأخرى لوفاء في الخطاب الذي وجه من وزارة الخارجية السعودية، إلى السفارة السورية، إذ أفاد فيه بأنه تم «أخذ جواز سفرها من كفيلها، وتسليمه إلى سفارة بلادها في المملكة». وتؤكد وفاء بأن سفارة بلادها أنكرت ذلك، على رغم مراجعتي لهم غير مرة، وأعطتني السفارة لاحقاً، ورقة مرور لمغادرة المملكة، إلا أن الجوازات رفضت مغادرتي، نظراً لوجود قضية مطالبات بيني وبين كفيلي إلى ان انتهت صلاحية ورقة المرور» بحسب قولها. توجهت وفاء إلى هيئة حقوق الإنسان، مطالبة إياها بالتدخل وإنصافها وأنها لا تريد سوى مغادرة البلاد، فأخبروها بأنهم أوكلوا محامياً للدفاع عنها، ولكن من دون جدوى، كما أنهم لم يستطيعوا توفير مأوى لها. وتستطرد: «لم يتم عمل شيء إلى هذه اللحظة»، مضيفة: «تم أخيراً توجيه خطاب عاجل من إمارة الرياض، إلى مكتب العمل بضرورة حل هذه المشكلة والعمل على إنهاء القضية واستدعاء كفيلي، إلا أنني فوجئت برد أحد مسؤولي مكتب العمل بضرورة مراجعتي فرع المكتب في القصيم، ولم أتمكن من الذهاب إلى هناك، لعدم توفر أجرة النقل، إضافة إلى عدم وجود أوراقي الرسمية معي، فطلبوا مني مراجعة إمارة الرياض والحصول على ورقة تنقل». وانتقلت وفاء أخيراً من منزل عائلة إلى أخرى تتعاطف معها، وعلى رغم حالها الصعبة، إلا أنها تؤكد أنها لا تستطيع الاستمرار في هذا «الوضع الصعب، خصوصاً أن معاملتي مضى عليها عامان، من دون الوصول إلى أي حل جذري، حتى أصبحت أعيش مشردة وتائهة في المملكة، فيما سفارة بلادي تخلت عني، ولم تقدم لي أي حل أو مساعدة».