بعد 40 سنة على عرضه للمرة الأولى، عادت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، لإنتاج المسلسل الدرامي «بولدارك» المأخوذ عن رواية للكاتب وينستون غراهام، صدرت عام 1945 وحظيت بقبول نقدي كبير لدرجة اعتبرها بعضهم واحدة من كلاسيكيات الأدب الإنكليزي. وربما لهذا السبب يسجل الإقبال على المسلسل التلفزيوني الجديد رقماً قياسياً، إذ وصل عدد مشاهديه الى حوالى سبعة ملايين مشاهد، وتقدمت لعرضه أكثر من 40 قناة تلفزيونية في أنحاء متفرقة من العالم. حافظ مخرج «بولدارك» الجديد إدوارد بازالغيت على روح النص وراهن أكثر على التمثيل والاستفادة من التقنيات الحديثة، في محاولة منه لإضفاء روح عصرية على منجز تلفزيوني اعتمد كثيراً على الحوار وعلى حلاوة الصورة، أما حكايته ففضل البدء بها من الولاياتالمتحدة الأميركية حيث يشارك الكابتن «روس بولدارك» الى جانب القوات البريطانية في مقارعة الثوار الأميركيين المطالبين بنيل استقلالهم الوطني. انتصرت الثورة الأميركية وخسر البريطانيون حربهم فعاد الكابتن الى وطنه ليجد كل ما تركه فيه وقد تغير نحو الأسوأ. وجد حبيبته الأولى تتهيأ لحفلة زفافها من ابن عمه، وعرف بموت والده وخسارته تجارته. لم يتبقَ له في كرنوول بعد سنوات الحرب الفظيعة سوى بقايا منجم مهجور وبيت قديم. يكرس المسلسل حلقاته الأولى لمراجعة علاقات «بولدارك» بمدينته الساحلية وبخاصة علاقته السابقة ب «إليزابيث» (هيدا ريد) وعمه الذي عمل بقوة على ابعاده عنها وعن المكان الذي ولد فيه. تنطوي الفصول الأولى من الحكاية على أبعاد رومنسية حزينة وشجن على ماض جميل انهار أمام عيني البطل الذي وجد نفسه وحيداً في مواجهة أطماع العائلة وأنانية أفرادها وعلى رغم ذلك قرر المضي في بناء حياته مجدداً وترك احباطه جانباً. لا يرتكز نص «بولدارك» الجديد بالكامل على الجوانب الرومنسية بل يتعداها الى رسم صورة لبريطانيا خلال القرن الثامن عشر، وتحديداً بعد خسارتها أميركا، وظهور أزمات اقتصادية معها عمقت الصراع الطبقي فيها وأفقدت أعداداً كبيرة من الجنود العائدين من الحرب مصادر رزقهم فدخلوا في أفواج العاطلين من العمل. في هذا الجو المشحون بالصراعات أراد «بولدارك» إعادة العمل بمنجم والده المهجور وإعادة بناء حياته ثانية. في كل الحلقات كان حضور الممثل آيدان تورنر (الكابتن بولدارك) لافتاً وأضفى وجوده جواً من الجدية عليه مع مسحة من الحزن الرومنسي عرف كيف يجيرها لمصلحة عمل اشترك فيه الممثل روبن أليس، الذي أدى دور بولدارك عام 1975 وقبل هذه المرة، وقد بلغ من العمر عتياً، لعب دور قاضي منطقة كرنوول. بظهور الشابة «ديميلزا» وسطه ينعطف المسلسل بشدة نحو عوالم طبقية واجتماعية تذكرنا بفيلم «سيدتي الجميلة». وبدخول الشابة الجميلة (الممثلة أليانور توملينسون) الى حياة الكابتن، الغارق في مشكلات العمل في المنجم ومساعدة عماله على تجاوز صعوبات حياتية ومالية تبدو أكبر من قوته، يتغير كل شيء. جاءت الى بيته هاربة من قسوة والدها السكير، وطلبت العمل لديه خادمة في بيته. ستتجاوز علاقتهما مع الوقت علاقة السيد بخادمه، الى علاقة زوجية بذلا جهداً كبيراً في الحفاظ عليها على رغم الجو العدائي الذي واجهته الشابة من عائلته وأثرياء المنطقة التي اعتبروها دخيلة عليهم. سلوك «ديميلزا» سيُتوج بتضحيات جسيمة تجبر الجميع على احترامها ومعاملتها كسيدة راقية ضحت بولدها الرضيع من أجل إنقاذ حياة عائلة عم زوجها في ظرف شديد القسوة. التضحيات والحب والقسوة عناوين سيشتغل عليها المسلسل طيلة حلقاته الثمانية وستصبغه بطابع كلاسيكي يذكر بالملاحم الرومنسية الكبرى ويضعه بين أهم الأعمال الدرامية المنجزة هذا العام بأعلى الأدوات الفنية وبأداء ممثلين ينتمي معظمهم الى مدرسة «بي بي سي» الدرامية العريقة.