حتى وقت قريب كانت الأملاك الخاصة في المنازل والمتاجر والمزارع، بل وحتى أحواش الماشية هي مبتغى السارقين. كان التعامل مع هذه الأحداث – لا أقول الجرائم – يشير إلى استمرارها، خصوصاً أن رجال الأمن كانوا يعتبرون السارقين مراهقين وكانوا يضعون المسروقات في خانة الحاجات غير الثمينة. شيئاً فشيئاً وسنة بعد أخرى تطور الوضع، وحدث تحول نوعي، بحيث صارت هناك معدات وأشياء لم نكن نتوقع أن أحداً سيجرؤ على سرقتها، إما لصعوبة ذلك، أو لغلاء ثمنها، فعلم الجميع أن هذه الأفعال لا تصدر إلا من محترفين يمارسون أعمالهم وسرقاتهم على هيئة عصابات. بل وصل سوء الوضع حتى سرقت أشياء بخسة الثمن ومكشوفة أمام المارة، وهو تطور آخر يشير إلى أن السارق يكون مطمئناً «على الآخر» وهو يقوم بالسرقة. أكاد أجزم بأن هذا التحول النوعي يعود إلى أن معظم هذه السرقات تكون من العمالة الوافدة أو بعض المقيمين في السعودية بشكل غير شرعي، خصوصاً أنهم يسكنون في أحياء قديمة داخل المدن الكبيرة مثل الرياضوجدة ومكة المكرمة وغيرها. في بداية الأمر لم أصدق نفسي وأنا أشاهد فتحات الصرف الصحي في الشوارع من دون أغطية، وحاولت إقناع نفسي بأن هناك صيانة لهذه الفتحات استدعت بقاءها فترة من الزمن على هذه الحال، ولكن استمرار الوضع أكد لي أنها مسروقة. الوضع نفسه ينطبق على تمديدات الأسلاك الكهربائية إلى المنازل حديثة الإنشاء، وهذه السرقات عانى الكثيرون منها. كما أن الكثير منا سمع أو تعرّض لخطف هاتفه الجوال أو سرقته على مرأى ومسمع من المارة، سواء في الشوارع أم الأسواق. ترى ماذا بقي لم تطاوله يد السارقين؟ وأين الجهات الأمنية المختصة من مثل هذه الفوضى، خصوصاً أن السرقات تتم في الشوارع؟ لست في حاجة لإثبات أن من يسرق أغطية الصرف الصحي والتمديدات النحاسية الكهربائية وهواتف الجوال والبضائع المنزلية وغيرها من المواد يجد المشترين بكل سهولة، وهنا لا بد من إلقاء الضوء على أسواق بيع الخردة وأماكن تشليح السيارات، وأسواق البضائع المستعملة وأشهرها «حراج ابن قاسم» الواقع جنوب مدينة الرياض. فهذه الأسواق لا أبالغ إن قلت إنها العامل الأساسي لكثرة السرقات، ويكفي القول إن هناك الكثير من المشترين لا يطلبون هوية البائع ولا يشترطون وجود فاتورة للأغراض المباعة، وهنا قمة الفوضى. إن غياب الجهات الأمنية عن هذه الأماكن لا شك أنه أسهم في فوضى السرقات التي يعاني منها الكثيرون اليوم، ولست بأول من ينبه إلى خطر هذه الأسواق الفوضوية، إذ سبقني كتاب كثر. إن المرجو من المسؤولين في الجهات الأمنية ذات العلاقة إيجاد نظام خاص لهذه الأسواق، وذلك بالتنسيق مع وزارة البلديات ووزارة التجارة لحماية الممتلكات الخاصة للمواطنين والمقيمين، ولحماية ممتلكات الدولة التي طاولتها أيدي العابثين أيضاً. ولا أنسى كذلك دور وزارة العمل التي ما زالت تصرّ على فتح باب الاستقدام لعمالة ثبت أن خطرها على المجتمع أكثر من نفعها. فهد عسيري - الرياض