«اسمي مُعاد. أنا فلسطيني... أما سؤالي، فهو التالي: خلال السنوات الماضية، شاهدنا ماذا فعلت حركتا «فتح» و «حماس» بالقضية الفلسطينية، من إفقار وفساد وانتهاكات. نحو 1440 فلسطينياً قتلوا في الاقتتال الداخلي. أنتم اليوم تجلسون أمامنا ممثلين للحركتين. ما هي الرسالة التي تريدون إيصالها إلينا، نحن الفلسطينيين الذين نعيش خارج فلسطين؟ ماذا تريدون أن تقولوا لنا فيما قضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية لا يزال متواصلاً، وفيما الانقسام لا يزال واقعاً بين الضفة الغربيةوغزة؟». مُعاد واحد من نحو 300 طالب عربي وأجنبي، حضروا برنامج «دوحة ديبايتس» الذي جمع كلاً من: نبيل شعث وعبدالله عبدالله عن حركة «فتح» وأسامة حمدان ومحمد نزال عن حركة «حماس» في العاصمة القطرية قبل نحو أسبوع في حوار مفتوح عن الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني أداره تيم سيباستيان. غير أن سؤال معاد لم يخرج عن سياق «تشاؤمي» عام فرضه الطلاب على القاعة، وانعكس وجوماً على وجوه المشاركين الأربعة، وفي شكل أكبر على وجوه ممثلي «فتح». ففي هذه القاعة، بدا لافتاً بالدرجة الأولى يأس الشبان وغالبيتهم من الفلسطينيين واللبنانيين مما وصلت إليه حال الفلسطينيين بعد 60 عاماً من صراعهم مع إسرائيل، وتشاؤمهم من إمكان التوصل الى حل «مشرّف» للقضية. وعبّر عدد ملحوظ منهم عن انحيازهم الى خيار المقاومة المسلحة الذي تمثله «حماس»، نظراً الى أن «26 عاما من المفاوضات مع إسرائيل لم تحقق أي تقدم، بل أدت الى توسيع الاستيطان وتهجير أعداد إضافية من الفلسطينيين من أراضيهم»، بحسب أحد الطلاب. الانحياز الطالبي للمقاومة المسلحة بدل المفاوضات ورفض الواقع الفلسطيني والانقسام، لم يستجيبا لدعوات ممثلي «فتح» في أحيان كثيرة إلى تفهم ما يجري على أرض الواقع. ف «فتح» خاضت مقاومة مسلحة لسنين طويلة، اعتمدت خلالها أساليب أكثر عنفاً مما تعتمده «حماس» حالياً، للفت أنظار العالم الى ما يدور في فلسطين. لكن، وبحسب عبدالله: «عندما يصير استعمال نوع محدد من المقاومة يكلفنا اكثر ما يفيدنا نبتعد منه، ونعتمد غيره. اليوم يقاوم شعبنا سلمياً من خلال التظاهرات والى جانبه يقاوم كثيرون من غير الفلسطينيين لأنهم مؤمنون بقضيتنا». الأمر هذا بالنسبة الى «حماس» يبدو غير منطقي، إذ يرد حمدان انه «بالنظر الى المقاومة السياسية، إسرائيل يمكنها أن تدخل الى رام الله وتعتقل من تريد منها، بينما عام 2009 إسرائيل لم تتمكن من الدخول الى غزة بسبب المقاومة المسلحة». وبدا واضحاً انحياز الجمهور للمقاومة المسلحة من خلال تصفيقه لحمدان ومن بعده لكلام لنزال انتقد فيه «فتح» لتخليها عن المقاومة المسلحة واعتمادها أسلوب المفاوضات. غير أن «حماس» نفسها لم يكن صدرها رحباً لانتقادات قليلة طالتها، ومعظمها عن قتل الفلسطينيين خلال الصراع بين الحركتين، فبدا معه رد نزال مستغرباً، إذ اعتبر أن «هناك الكثير من الخلافات بين فتح وحماس، لكنها ليست حرباً أهلية، هي بعض الصدامات، لكنها ليست حرباً». وهنا علّق سيباستيان: « لكن 1400 فلسطيني قتلوا خلال هذه الصدامات؟». فرد نزال: «ليس 1400، لكنني لا اعرف العدد الفعلي. نحن نستنكر مقتل أي فلسطيني، لكنها ليست حربا أهلية، بل خلافات وصراعات». في الحلقة التي استمرت ساعة ونصف الساعة، تحاور ممثلو الحركتين، وسمعوا وردوا على أسئلة الطلاب باللغة الإنكليزية. وعلى رغم أن الفكرة الأساسية للجلسة هي تقريب وجهات النظر بين الحركتين الفلسطينيين، ومن ورائها تقريب وجهات النظر بين القيادات وجماهيرها. غير أن ما جرى واقعاً في تلك القاعة، كشف في شكل واضح عمق الخلاف بين الفريقين الفلسطينيين المنقسمين، وعمق الخلاف بين القيادات والجمهور الشبابي. فالهموم التي طرحها الشباب بدت بعيدة عن هموم القيادات التي تركزت على عدم توقيع «حماس» الورقة المصرية، والمفاوضات غير المباشرة approximate talks بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأدوار المصرية والأميركية والإيرانية والسورية، والانتخابات ومنظمة التحرير والسلطة. في حين بدا الشباب أكثر اهتماماً بحياة الفلسطينيين ومعاناتهم داخل فلسطين وخارجها، وإحباطهم مما تحقق منذ النكبة حتى اليوم و «خسارة مزيد من الأراضي والحقوق وعدم عودة اللاجئين». ولم يخف بعضهم صراحة طلبه من قيادات الحركتين التنحي جانباً وإفساح المجال أمام جيل جديد من الفلسطينيين ليدير الصراع بطريقة مختلفة. فبالنسبة الى هؤلاء، كلا الطرفين فشلا في تحقيق «المصلحة الفلسطينية»، لكن هل «فتح» و «حماس» مستعدتان للتنحي والسماح لجيل جديد بأن يقود الصراع؟ بالنسبة الى «حماس»، يرى حمدان: «نحن الجيل الجديد في فلسطين. وإذا كان أحد مستاء مما حصل، فهذا يحفزنا على الاستمرار في صراعنا مع إسرائيل، آخذين في الاعتبار مصلحة الفلسطينيين وليس المنظمات». أما شعث، فيرد على استعداد فتح للتنحي في حال أثبتت الأيام فشل أسلوب المفاوضات «إذا فشلنا، فنحن مستعدون للتنحي جانباً». في اختتام الحلقة، وقف شاب لبناني اسمه محمد، واستهل كلامه بالاعتذار سلفاً عن السؤال. قال محمد: «الى أي حد تعتبرون أنفسكم اخوة، بينما أمضيتم السنة الماضية تتقاتلون وتقتلون بعضكم بعضاً طمعاً بالسلطة، وكلنا نعرف أن كلا منكما أكثر ولاء للقوى الخارجية اكثر من ولائكما لبلدكما؟ ثانياً، اعتقد أنكما تحتاجان الى التقدم وإيجاد استراتيجية مشتركة، هل تنويان التنحي إذا فشلت نيتكما الوصول الى استراتيجية موحدة، وترك آخرين يقررون؟». فرد شعث مجدداً: «بالطبع»، بينما قال نزال: «عندنا حق قتال الصهيوني، لا أحد يمكنه أن يوقف القتال لن نتنحى. سنجرب». وقبل أن يعلن سيباستيان انتهاء الحلقة، طلب الى الطلاب أن يصوتوا على سؤال عما إذا كانوا يثقون بالقيادة الفلسطينية الحالية، والمقصود بها «فتح» و «حماس». فجاءت النتيجة:11 في المئة فقط صوتوا بنعم، مقابل 89 صوتوا بلا.