لم تتغير حسابات الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشاريه إزاء سورية، وما زالت تعتمد استراتيجية الاحتواء للنزاع من خلال زيادة شحنات صواريخ «تاو» للمعارضة واختبار المسار الديبلوماسي، من دون التزام إقامة «منطقة آمنة» أو الضغط الجدي لتسريع الانتقال السياسي، ذلك على رغم تنامي تهديدات «داعش» في العالم والتوتر الروسي - التركي. أوباما، الذي شبّه منذ عامين الحرب السورية بالحرب الأهلية في الكونغو، ما زال يريد حفظ مسافة مما تراه إدارته حرب استنزاف ستستمر طويلاً بين النظام السوري والمعارضة، والانقسام الإقليمي الذي أجّجه تدخل روسيا المباشر في الحرب نهاية أيلول (سبتمبر). وتنحصر الأولوية العسكرية الأميركية اليوم، باستهداف «داعش» وتوجيه أكثر من ثمانية آلاف ضربة ضده منذ إعلان «خلافته» في 2014. التجاذب الروسي - التركي بإسقاط طائرة «سوخوي»، لم يغيّر المعادلة الأميركية. العمليات كما قال المسؤول الدفاعي الأميركي في بغداد الكولونيل ستيف وارن، ستبقى مركزة على «داعش»، فيما دعا أوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الى حصر تحرّكه ضد «داعش» وعدم «تعقيد الأمور» بضرب المعارضة المعتدلة قرب الحدود التركية. كما جاءت خطوة إرسال خمسين قوة أميركية خاصة الى سورية للحشد لمعركة الرقة، كمؤشر أميركي حول أولوياتها في الحرب. أما إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على إقامة «منطقة آمنة»، لا يلاقي حتى الآن التزاماً كاملاً من الولاياتالمتحدة. ويقول مسؤول أميركي ل «الحياة»، أن واشنطن «ليست ضد إقامة منطقة معزولة من حيث المبدأ، إنما من دون تسميتها بالضرورة منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي»، لأن الأخير يعني التزاماً أميركياً حمايتها جوياً ويفتح إمكان التصادم مع طائرات النظام السوري وروسيا، وهو ما تفادته إدارة أوباما منذ بدء الأزمة. وتتحرك واشنطن أيضاً إنما في شكل غير مباشر ومن خلال برنامج سري تديره «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه)، من خلال تزويدها فصائل في المعارضة السورية المعتدلة صواريخ «تاو» التي تصاعدت وتيرة تسليمها في الفترة الأخيرة رداً على تدخل موسكو عسكرياً الى جانب الأسد. أما سياسياً، فتعمل الأداة الأميركية من خلال وزير الخارجية جون كيري، للدفع بمحادثات فيينا وإمكان الوصول الى وقف لإطلاق النار في بداية العام المقبل. وتركّز واشنطن جهودها العسكرية على زيادة الدعم للمعارضة المعتدلة، وتسليم «مئات صواريخ تاو» منذ بدء الحملة الروسية منذ شهرين، وفق مصادر ديبلوماسية. وبدت هذه الصواريخ فعالة في ضرب دبابات النظام في أرياف حماة وإدلب وحلب، وأيضاً تدمير مروحية روسية في ريف اللاذقية. وتراهن واشنطن، على رغم عدم نيّتها تصعيد جدّي في سورية، على إفشال التدخل الروسي لمصلحة النظام، وإن لم يكن ذلك في المدى المنظور ففي المدى المتوسط. ويقول مسؤول أميركي ل «الحياة»، أن «موسكو قد تنجح في شراء الوقت للنظام، إنما لن تفرضه سياسياً وعسكرياً على الأرض». ويشير الى أن النزاع أضحى في مكان آخر، وأن «النظام هو احد اللاعبين الكثر اليوم». وفي هذا السياق، تدعم واشنطن جهود المسار الديبلوماسي انطلاقاً من قناعتها بأن الجانب الروسي سيغير موقفه من الأسد ويقبل بمرحلة انتقالية يخرج فيها الرئيس السوري من السلطة. ويقول مسؤول أميركي آخر شارك في محادثات فيينا، أن الإنجاز الأهم في الجولة الثانية «حصد موافقة دولية من ضمنها إيران، على بيان جنيف 1 الذي يدعو الى انتقال السلطة». وتعمل الإدارة، وفق مصادر، على موضوع وقف إطلاق النار وتحديد لائحة المنظمات الإرهابية، وهو ما كان زار واشنطن مرتين الشهر الفائت للبحث فيه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. وعليه، يتلخّص رهان أوباما في سورية على إدارة النزاع عسكرياً، وإعطاء العملية السياسية فرصة جديدة ستكون الأخيرة في ولايته قبل مغادرته البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) 2017، فيما تلوّح الأسماء المرشحة لخلافته، من الديموقراطية هيلاري كلينتون والجمهوريين ماركو روبيو وجيب بوش، بتصعيد عسكري وإقامة مناطق آمنة على الحدود الشمالية والجنوبية في حال وصولهم الى البيت الأبيض.