قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره، كتب المصري ألبير قصيري قصصاً، يمكن اعتبارها جدارية صادمة، أبطالها مهمشون وفقراء ومنبوذون، في سرد أليف، لا يراقب الناس من أعلى، وإنما ينطق بلسانهم. «بشر نسيهم الله» عنوان دال، يصف ويدين، يشير بأصابع الاتهام بإدانة واقع عاشه المصريون في نهاية الثلاثينات والأربعينات، كيف يتحايلون على الفقر، ويتواطأون معه لتستمر حياتهم التي ليست كالحياة. هي قصص قصيرة نادرة كتبها ألبير قصيري قبل هجرته إلى فرنسا، ونشرت في مجلات عدة، وهي من أعماله المبكرة، وتجسّد براعته في تصوير الأحياء الشعبية، وشخصياتها التي تتمتّع بروح السخرية، إحدى سمات المصريين في مواجهة الظروف القاسية، بحيث لا يملك قصيري في مواجهة الظلم سوى السخرية من الطبقات المهيمنة «اللصوص الشرعيين» كما كان يطلق عليهم. قصص «بشر نسيهم الله» التي صدرت هذا الشهر (تشرين الثاني/ نوفمبر 2015) في سلسلة روايات الهلال القاهرية، ترجمها لطفي السيد، وتضم «ساعي البريد ينتقم»، و«البنت والحشاش»، و «الحلاق يقتل زوجته»، و «خطر الفانتازيا»، و «الجياع لا يحلمون إلا بالعيش»، وفيها يعلن سيد كرم أن الاحتياجات الأساسية للحياة بسيطة وقليلة، ولا تحتاج إلى حلول عظيمة، فالبشر جوعى والجياع لا يحلمون إلا بالعيش. وكانت هذه المجموعة القصصية صدرت بالفرنسية في التسعينات، ثم ضمن الأعمال الكاملة لقصيري التي صدرت قبل أعوام في باريس. ألبير قصيري هو أحد ألمع الكتاب المصريين الفرانكوفونيين ولُقّب بفولتير النيل، ولد في 3 تشرين الثاني عام 1913 في حي الفجَّالة في القاهرة لأبوين مصريين، تلقى تعليمه في مدارس دينية مسيحية قبل أن ينتقل إلى مدرسة الجيزويت الفرنسية، واستقرّ في فرنسا منذ العام 1949، وعاش في غرفة رقم 58 في فندق «لا لويزيان» في شارع السين (حي سان جيرمان دو بريه)، حتى وفاته عام 2008. وكانت فلسفته هي الكسل، حيث لم يمارس أي عمل في حياته، وكان يقول أنه لم ير أحداً من أفراد عائلته يعمل، فكانوا يعيشون على عائدات ما يملكونه من أراض وأملاك. كتب قصيري أعماله عن مصر، ولم يكتب حرفاً عن باريس، وعزف عن الحصول على الجنسية الفرنسية. كتب عن وطن عاش فيه عشرين عاماً لا عن فرنسا التي احتضنته ستين عاماً، وعن ذلك قال: «لست في حاجة الى أن أعيش في مصر، ولا الى أن أكتب بالعربية، فإن مصر بداخلي».