ما إن خمدت العاصفة التي أثارتها السرقة «الموصوفة» عن كتاب «الرواية العربية، المتخيّل وبنيته الفنية» (دار الآداب، 2011) للناقدة والروائية يمنى العيد، حتى حصلت فضيحة جديدة تمثلّت بسرقة أخرى سافرة عن كتاب «في الرواية، وقضاياها» (دار الغدير، 2011) للكاتب والأكاديمي عبدالمجيد زراقط. الحادثتان متقاربتان زمنياً ونوعياً، وبطلتاها أستاذتان جامعيتان تُشرفان على أبحاث طلاب الدراسات العليا. ومن المفترض أنّهما عليمتان بالفرق بين السرقة والاقتباس، ومؤتمَنتان على الأمانة العلمية وأصالة البحوث الأكاديمية، ومن هنا تتأتّى إشكالية هذا الموضوع وأهميته. السرقة الأدبية ليست وافدة حديثاً إلى مجتمعاتنا، بل هي موجودة منذ القدم، غير أنها اتخذت أشكالاً متنوعة. تارةً تكون مقنّعة بما يُسمى «التأثّر والتأثير»، وطوراً مبررة بمصطلحات نقدية محدّدة كالتناص والاقتباس، لذا فإنّ الكاتب/ الأديب قد يعثر على منفذ ما مهما طوّقته الأحكام. لكنّ سرقة الأبحاث والدراسات دائماً موثقة وأكيدة، إذ لا مجال للتمويه أو التحايل. وبالتالي، فإنّ الأحكام عليها تكون غالباً ثابتة وصارمة. فالبحث هو أولاً، «علم» عقلاني - لا خيالي- يقوم على أساس جهد شخصي يتغذّى من آراء ودراسات آخرين، ويتحتّم على الباحث تعيينهم كمراجع مساعدة في الوصول أخيراً إلى استنتاجه الخاص. لذا، فإنّ الاتكاء على أبحاث أشخاص اجتهدوا كثيراً كي يُنجزوا دراساتهم، ليس إلاّ انتحالاً، أو الأصحّ قولاً، سرقة لا تخلو من وقاحة وتعنّت. وفي سياق مشابه لما حدث مع يمنى العيد، اكتشف عبدالمجيد زراقط أنّه تعرّض لسرقة فكرية واضحة من أستاذة جامعية هي نعمة ناصر المصري شعراني، تشرف على إعداد رسائل الماجستير في اللغة العربيَّة وآدابها، استولت على دراسات له من كتابه «في الرواية، وقضاياها» وضمّنتها في كتاب حمل توقيعها، عنوانه: «الرواية نبض الماضي والحاضر» (المؤسسة الحديثة للكتاب، 2015). أما الدراسات المنقولة حرفياً من كتاب زراقط فهي: «تأسيس نوع أدبي جديد» (من الصفحة 11 حتى 34)، «في نشأة الرواية اللبنانية - العربية وتطورها» (ص 37 - 130)، «المغمورون» (ص 210 - 225)، «رحلة البحث عن الهويَّة والجذور في ثلاثية يوسف حبشي الأشقر» (ص 226 - 244)، «قراءة في نماذج من روايات محمد جبريل» (ص 245 - 268)، وأدرجتها في الصفحات الآتية على التوالي: (35 - 53)، (57 - 150)، (235 - 247)، (248 - 262)، (263 - 281). ويؤكّد الباحث والأستاذ الجامعي عبدالمجيد زراقط، أنّ شعراني سطت على بحث له من كتاب آخر بعنوان «في بناء الرواية اللبنانية» (منشورات الجامعة اللبنانية، 1999)، وأدرجته في كتاب لها هو «القصة في أروقة التاريخ» (جروس برس - ناشرون، 2013). إضافة إلى خمسة أبحاث نقلتها «بتصرّف» إلى كتابها «الرواية نبض الماضي والحاضر». وكان الباحث وائل ابراهيم، كتب مقالة بعنوان «غارة على دراسات جامعية» أسدل فيها الستار على سرقة «علمية» بيّنة لم يُنفّذها طالب «فاشل» أو «طفيلي» متهوّر، إنما أستاذة جامعية تُعدّ أجيالاً من الباحثين والأكاديميين. فأظهر أخطاءً أوردتها سهواً نتيجة النقل الحرفي: «الطَّريف المؤلم أنها (شعراني) لم تكلّف نفسها مراجعة ما نقلته، والدليل على ذلك أن جملة «كأنّ البلاد ليست لنا» هي عنوان لدراسة محمد جبريل التالية لدراسة «رحلة البحث عن الجذور»، فظنّتها تابعة لهذه الدراسة ووضعتها في نهايتها (ص262)». بعد تفنيد الواقعتين المتشابهتين في ظروفهما وملابساتهما، فإننا لا نجد أصوب من كلمة «فلتان» في وصف المشهد الثقافي العام. كأنّ هذه السرقات البحثية الفاضحة جاءت لتُعرّي واقعاً علمياً وفكرياً وأدبياً في عالم عربي متهالك أصلاً. ومثلما يرى كلود برنارد في نظريته النقدية للمجتمع أنّ الإنسان ابن بيئته ولا يمكن أن يكون في صورته بعيداً من صورة محيطه، كذلك هي الآداب والفنون والعلوم.