يبدأ وزراء الخارجية العرب اليوم في مدينة سرت الليبية اجتماعاتهم التحضيرية لأعمال القمة العربية الثانية والعشرين التي تعقد خلال الفترة من 27 إلى 29 الجاري. وأنهى المندوبون الدائمون للدول العربية مساء أمس اجتماعاتهم بإعداد مشروع جدول أعمال القمة لرفعه إلى وزراء الخارجية العرب الذين سيناقشون اليوم العديد من القضايا التي تهم العالم العربي وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأوضاع في السودان والعراق واليمن والصومال وملف إيران النووي. وخيّم على مداولات القمة خلاف مصري - سوري حول جهود المصالحة الفلسطينية، إذ تريد مصر الإشادة بجهودها في هذا الصدد فيما ترغب سورية في عدم تسمية مصر في هذا الصدد. وذكرت مصادر قريبة من المداولات أن مصر أرادت فقرة خاصة تثمّن الموقف المصري لتحقيق المصالحة الفلسطينية، إلا أن الوفد السوري طلب أن تنص الفقرة فقط على أخذ علم بهذه الجهود والاشارة إلى الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة من دون تحديد أو تخصيص الجهود المصرية. وكان الرئيس المصري حسني مبارك تلقى مساء أول من أمس اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد للاطمئنان على صحته بعد إجراء عملية جراحية في ألمانيا لاستئصال المرارة وهنأه بالشفاء كما تمنى له العافية والعودة سالماً إلى مصر. وذكرت وكالة «فرانس برس» من سرت أن مشروع البيان المقدم إلى القمة العربية سيدعو الدول المعنية الى التعاون مع السلطات الاماراتية «لملاحقة ومحاسبة العصابة الاجرامية» التي اغتالت القيادي في حركة «حماس» محمود المبحوح في دبي. وأكد مشروع البيان «أن هذا العمل الاجرامي الارهابي يتطلب تعاون كافة الدول المعنية مع اجهزة الأمن في دولة الامارات العربية المتحدة للتصدي وملاحقة هذه العصابة الاجرامية ومحاسبتها في اطار الاتفاقات الدولية والقوانين التي يجب أن تسري على كافة الدول». وأضاف مشروع بيان مجلس القمة العربية: «يدين المجلس استغلال المزايا القنصلية التي منحت لرعايا الدول التي استخدمت جوازات سفرها في عملية الاغتيال» التي استهدفت المبحوح في كانون الثاني (يناير) الماضي. وتتهم شرطة دبي جهاز الاستخبارات الاسرائيلي «الموساد» باغتيال المبحوح. وأكد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي وصل إلى سرت أمس أن موضوع القدس والممارسات العدوانية التى تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ضد الفلسطينيين والمقدسات ستكون على رأس جدول أعمال القادة والملوك والرؤساء العرب. وقال موسى، في تصريح أمس، «إن القدس والقضايا العربية الأخرى سنناقشها في القمة العربية، إذ إن هذه القمة هي قمة عربية ستناقش كل القضايا والهموم العربية بما فيها القدس». وأعلن أن لجنة مبادرة السلام العربية ستعقد اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية غداً لمناقشة آخر التطورات وما يمكن اتخاذه في ضوء استمرار التصعيد الإسرائيلي وعدم اكتراثها بالجهود المبذولة لتنفيذ مسار السلام. وكان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي استقبل موسى أمس عقب وصوله إلى سرت، وتم خلال اللقاء استعراض ترتيبات عقد القمة وبنود جدول الأعمال والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ستناقشها. من جانبه، قال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكي إن اجتماعات الوزراء العرب ستناقش التحديات التي يواجهها العالم العربي خلال المرحلة الحالية وعلى رأسها تطورات القضية الفلسطينية في ظل الإجراءات والمواقف الإسرائيلية الأخيرة خصوصاً ما يتعلق بوضع القدس ما يقوّض فرص قيام عملية تفاوضية حقيقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتحقيق تسوية نهائية عادلة وشاملة للصراع العربي - الإسرائيلي. وأشار إلى أنه من المنتظر أيضاً أن يتم خلال الاجتماع تبادل وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع في كل من السودان والعراق واليمن والصومال وتطورات الملف النووي الإيراني، إضافة إلى المقترحات المطروحة لتطوير آليات العمل العربي المشترك. من جانبه، صرح مدير إدارة الوطن العربي في وزارة الخارجية الكويتية السفير جاسم المباركي بأن المناقشات اتسمت بروح المسؤولية من قبل المندوبين «ولم تكن هناك خلافات جوهرية سوى بعض التباين في وجهات النظر حول كيفية تناول بعض القضايا التي تم رفعها لوزراء الخارجية العرب للبت فيها». وأوضح أن القضايا التي رفعت الى وزراء الخارجية يأتي في مقدمها مشروع المبادرة السورية لوضع آلية لإدارة الخلافات العربية - العربية وكذلك مشروع القرار الخاص بمبادرة السلام العربية الذي يتضمن أربع فقرات تتحدث عن تمسك العرب بالسلام كخيار استراتيجي وتوجيه انتقاد شديد للسياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وتوجيه اللوم للجانب الأميركي لعدم القيام بالضغط الكافي على إسرائيل لوقف الاستيطان. وتحدث سفير سورية في القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية يوسف أحمد عن مضمون ومبادئ المبادرة السورية لإدارة الخلافات العربية. وقال في تصريحات للصحافيين إن «المبادرة تتضمن عدداً من المبادئ أهمها عدم اللجوء للحملات الإعلامية في حال وجود خلافات بين أي دولتين عربيتين باعتبارها تمثل عاملاً معرقلاً لإمكان إدارة الخلافات وتؤدي إلى تقليص أو تجميد العلاقات الثنائية بين البلدين». وأشار إلى أن المبادرة تؤكد أن العلاقات العربية - العربية في مصلحة الأمة ولا يجوز تعطيلها أو عرقلتها حتى لا تزيد حدة هذه الخلافات، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة إبقاء الخلافات داخل العائلة العربية لأن اللجوء إلى خارجها يزيد الأمور تعقيداً ويؤدي إلى دخول عناصر سلبية تزيد من عمق الخلافات وتوسيعها. وشدد على ضرورة تعزيز روح الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية ومبادىء العمل العربي المشترك وتكريس لغة الحوار بين الدول العربية مهما بلغت درجة الخلافات والاختلافات. وقال إن المبادرة السورية تنص على أنه في حال رغبة أي دولة في طرح مبادرات فإنه لا بد من طرحها قبل انعقاد القمة العربية بفترة كافية حتى يمكن درسها بشكل واف. وأوضح أن المبادرة السورية تقترح في حال وجود خلافات بين دولتين عربيتين أن يتم تشكيل لجنة من الترويكا العربية مضافة إليها الدولتان أصحاب الخلاف لبحث القضايا الخلافية بين الجانبين ومحاولة إيجاد حلول لها على أن ترفع بعد ذلك إلى رئيس القمة العربية. كما أشار إلى وجود توافق في الاجتماع حول المبادئ الواردة في الوثيقة، موضحاً أنه دار نقاش حول الآلية التي اقترحتها سورية والتي تقرر رفعها لوزراء الخارجية. وعما إذا كان هناك تعارض بين المقترح السوري ومهمات مجلس السلم والأمن العربي، نفى السفير يوسف أحمد وجود أي تداخل أو تعارض بين مجلس السلم والأمن وبين المبادرة السورية. وقال «إن الهدف السوري هو حسن إدارة الخلافات حتى لا تتحول إلى أزمات في العلاقات بين الدول العربية لأن وقوع الخلافات أمر طبيعي لاختلاف المنطلقات ويجب أن تدار بشكل جيد حتى لا تتحول إلى أزمة». وشدد سفير سورية على مركزية القضية الفلسطينية وأهميتها بالنسبة للقمة العربية. وأكد نائب الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد بن حلي أن الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية شهدت توافقاً حول قضية فلسطين، وقال إن «فلسطين دائماً هي التي تجمع العرب». وأضاف أن موضوع القدس كان أهم موضوع ناقشه اجتماع المندوبين الدائمين للدول العربية، إذ اعتمد المندوبون خطة عمل لإنقاذ القدس مقترحة من فلسطين وسورية وسترفع للقادة بعد أن جرت حولها مناقشات لإثرائها حول كيفية التحرك والتوقيتات والآليات. وقال مصدر عربي ل «الحياة» إن العادة جرت أن تتم مناقشة مشروع «الإعلان» الصادر عن القمة والذي يحمل هذه السنة عنوان «إعلان سرت» لكنه لم يطرح للنقاش. وتوقع المصدر أن تكون هناك «نكهة» ليبية لهذا الإعلان. الأسد وفي دمشق، أكد الرئيس بشار الأسد أهمية التركيز خلال القمة العربية المقبلة على «لم الشمل وتوحيد المواقف العربية وإنقاذ القدسالمحتلة مما تتعرض له من مخططات إسرائيلية». جاء ذلك خلال لقائه وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان بحضور وزير الخارجية وليد المعلم. وأفاد ناطق رئاسي بأن الأسد تلقى رسالة شفوية من رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «تتعلق بالعلاقات الثنائية وأواصر الأخوة بين البلدين الشقيقين وآخر التطورات على الساحة العربية»، موضحاً ان اللقاء تناول «المواضيع المدرجة على جدول أعمال القمة العربية والجهود العربية المبذولة لتعزيز العمل العربي المشترك وضرورة خروج القمة بمواقف وقرارات عربية حاسمة تجاه القضايا العربية، خصوصاً القضية الفلسطينية». وكان الأسد استقبل الاثنين الماضي وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وبحث معه في «الوضع العربي الراهن وأهمية خروج القمة العربية بقرارات تعزز التضامن والعمل العربي المشترك». «حماس» الى ذلك (أ ف ب)، طالبت حركة «حماس» أمس القمة العربية بالعمل على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة. وقال نائب رئيس كتلة التغيير والاصلاح البرلمانية اسماعيل الاشقر في بيان: «نطالب القمة بتنفيذ قرارات القمة السابقة المتمثلة برفع الحصار المفروض على قطاع غزة». ودعا القادة العرب للقيام «بخطوات عملية لنصرة الأقصى والمقدسات التي تتعرض لتهويد صهيوني ممنهج». الا ان الاشقر اكد انه «ليس متفائلاً كثيراً» بتحرك عربي، لافتاً الى ان «الكثير من القرارت (السابقة) لم ينفذ». على صعيد آخر، وجه أكثر من مئة منظمة أهلية فلسطينية عريضة الى القمة تدعوها «الى التوقف الجاد امام حملة التصفية العرقية الاسرائيلية في مدينة القدس والمس بالمقدسات الاسلامية والمسيحية». وأوضح رئيس الشبكة في قطاع غزة محسن أبو رمضان خلال مؤتمر صحافي إن «العريضة طالبت القمة بأن تسلط الضوء على ثلاثة محاور أساسية، أبرزها الممارسات التصعيدية لحكومة الاحتلال من تهويد للمقدسات وتوسيع للاستيطان».